للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا، ولم أجد عن المتقدمين من الفقهاء، وغيرهم حرفا واحداً فيه التفات إلى ما اعتمده الحنفية من اعتبار مساحة وجه الماء دون مقداره وكان الأستاذ شعر بهذا فحاول عبثاً أن يشرك مع مذهبه في ذلك مذهب القلتين، إذ قال: «لم يأخذ به أحد الفقهاء قبل المائتين» وقد علم أن القول بالقلتين مروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عن جماعة من الصحابة والتابعين وغيرهم.

فأما الحنفية فذهبوا في الجملة إلى الفرق بين القليل والكثير لكنهم لم يعتبروا مقدار الماء في نفسه، وإنما نظروا إلى مساحة وجهه وعندهم في ذلك روايات:

الأولى: أن الماء راكد الذي تقع فيه نجاسة لا تغير أحد أوصافه، إذا كانت مساحة وجهه بحيث يظن المحتاج خلوص النجاسة من أحد طرفية إلى الآخر بنجس وإلا فلا.

الثانية: أنه إذا كانت بحيث ذا حرك أدناه اضطرب شديد جداً كما تراه في كتبهم المطولة.

واستبعد بعضهم عدم اعتبار العمق، فاشترطوا عمقاً! واختلفوا في قدره! فقيل أن يكون بحيث لا ينحسر بالاغتراف، وقيل: أربع أصابع، وقيل: ما بلغ الكعبين، وقيل: شبر، وقيل: ذراع، وقيل: ذراعان!!!

واختلف على الرواية الثانية في الحركة فقيل: حركة المغتسل، وقيل المتوضئ، وقيل اليد، ولم يعتبروا وقوع الحركة إنما ذكروها لمعرفة قدر المساحة، سواء في الحكم عندهم أكان الماء عند وقوع النجاسة وبعدها ساكناً أم تحرك، وقالوا: إذا كان بالمساحة المشروطة فللمحتاج أن يغتسل النجاسة وإن لم يكن قد تحرك! وقالوا: إذا كانت مساحة وجه الماء تساوى القدر المشروط كفى وإن كان دقيقاً كأن يكون طوله مائة ذراع وعرضه ذراعاً! وقال محققهم ابن الهمام في ترجيح الرواية الأولى: «هو الأليق بأصل أبي حنيفة أعني عدم التحكم بتقدير فيما لم يرد فيه تقدير شرعي» .

أقول: والرواية الأولى فيها تحكم، والبول مثلاً إذا وقع في الماء ثم تحرك الماء خلصت ذرات البول إلى جميع الماء كما تشاهد إذا صببت قارورة مداد في حوض فقد

<<  <  ج: ص:  >  >>