المدار في هذا الأمر على الوثوق فإذا كان الضرير واثقا بحفظ كتابه ثم قرأ عليه منه ثقة مأمون متيقظ فقد حصل الوثوق وقد استغنى أهل العلم منذ قرون بالوثوق بصحة النسخة فمن وثق بصحة نسخة كان له أن يحتج بما فيها كما يحتج به لو سمعه من مؤلف الكتاب.
والخطيب كما يعلم من (تاريخه) غاية في المعرفة والتيقظ والاحتياط فإذا وثق بأن كتب ابن رزق محفوظة ثم دفع إليه ابن رزق كتابا منها فرأي سماعه فيه صحيحا وعلم أنه قد رواه مرارا قبل عماه فقد حق له أن يحتج بما يجد فيه وإن لم يقرأه هو أو غيره بحضرته على ابن رزق فكيف إذا وفي الحجة بقراءته عليه؟ بل إذا تدبرت علمت أن الوثوق بهذا أمتن من الوثوق بما يرويه الرجل من حفظه فإن الحفظ خوان.
وقد رأيت في (تاريخه) ج ٩ ص ٣٠٩: «دفع إلي ابن رزق أصل كتابه الذي سمعه من مكرم ابن أحمد القاضي فنقلت منه ثم أخبرنا الأزهري أخبرنا عبد الله بن عثمان أخبرنا مكرم ... » فذكر خبرا؛ وهذا مما يبين تحري الخطيب وتثبته. وفوق ذلك فعامة ما رواه الخطيب عن ابن رزق في ترجمة أبي حنيفة إنما هو من كتاب مصنف للآبار وجل الاعتماد في مثل هذا على صحة النسخة كما تقد في ترجمة الحسن بن الحسين.
١٨٨- محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر الآدمي. في (تاريخ بغداد) ١٣ / ٤٠٥: أخبرنا البرقاني حدثني محمد بن أحمد بن محمد الأدمي حدثنا محمد بن علي الأيادي حدثنا زكريا بن يحيى الساجي حدثنا بعض أصحابنا قال: قال ابن إدريس: إني لأشتهي من الدنيا أن يخرج من الكوفة أبي حنيفة وشرب المكسر وقراءة حمزة» .
قال الأستاذ ص ١٢٧: «ترى البرقاني يصف نفسه في صف هؤلاء فيروي عن مثل الآدمي ... راوي (العلل) للساجي وهو لم يكن صدوقا يسمع لنفسه في كتب لم يسمعها وكان بذيء اللسان كما سبق من الخطيب ... وواضع الحكاية على لسان ابن إدريس وقح قليل الدين يجمع بين شرب المسكر وبين الفقه والقراءة المتواترة» .