يسوغ إطلاق التفرق على التعاقد لذلك، لكن قد يقال: ليس التعاقد سبباً مباشراً، ومثله في ذلك عدم الاتفاق على الثمن فإنهما إذا يئسا من الاتفاق زال سبب الاجتماع، ثم إن ساغ ذاك الاطلاق فمجاز ضعيف لا دليل عليه ولا ملجيء إليه، بل الحديث نص صريح في قولنا، فقفي (الصحيحين) من حديث الإمام الليث بن سعيد عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً «إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً ... وإن تفرقا بعد أن يتبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع» .
أقول: فساد العقد في هذه المسائل ليس للتفرق من حيث هو تفرق بل من جهة أخرى حصلت بالتفرق وهي صيرورته رباً في الأولى، وبيع في بدين في الأخريين، وتفرق المتعاقدين في شراء دارٍ أو فرس معينة بذهب أو فضة مثلاً لا يحصل به شيء من ذلك ولا ما يشبهه، بل يحصل به ما يثبت العقد ويؤكده وهو تبين صحة التراضي المشروط في كتاب الله عز وجل واستحكامه كما تقدم إيضاحه. وكثيراً ما يناط بالأمر الواحد حكمان مختلفتان من جهتين مختلفيتين كإسلام أحد الزوجين ينافي النكاح، إذا كان الآخر كافراً، ويثبة إذا أسلم الآخر أيضاً، أو كان قد أسلم قبل ذلك على خلاف، وكإسلام المرأة الأيم يُحل نكاحها للمسلم ويحرمه للكافر، ويمنع إرثها من أرقابها الكفار، ويثبته لها من أرقابها المسلمين. وأمثال ذلك لا تحصى.
على أن الأثر الحاصل بالتفرق في مسألتنا ليس هو تصحيح العقد حتى تظهر مخالفته لتلك الصور فإن العقد قد صح بالإيجاب والقبول وإنما أثر التفرق قطع الخيار، وإن شيءت فقل إفساد الخيار.
قوله «خروج عن الأصول ومخالفة لكتاب الله تعالى» .
أقول: أما الخروج عن الأصول فالمراد به مخالفة القياس يسمونه خروجاً عن