في رمي الجنار يجب البدء بما بدأ به صلى الله عليه وسلم. فهذه حجته، فكيف يتوهم انه بنى قوله على زعم أن الواوبمنزلة الفاء وثم؟ ! وأما الباء فإنه قال في مسح الرأس «كان معقولا في الآية أن مسح من رأسه شيئا فقد مسح برأسه ... ودلت السنة على أنه ليس على المرء مسح الرأس كله ... »(١) وهذا قد يكون بناء على معنى الإلصاق فقد ذكروا من أمثلة «أمسكت بزيد» مع أن يدك إنما تلاصق بعضه، وعلى هذا الفرق بين الباء و «من» أن «من» نص على التبعيض، وباء الإلصاق مطلقة تصدق بالبعض وتصدق بالكل، ولعل هذا مراد من أطلق أنها تجيء للتبعيض. وراجع لكلام الحنفية في الحكم والآية واضطرابهم في ذلك (روح المعاني) ج ٢ ص ٢٥٧- ٢٥٨.
وههنا انتهت المطاعن في فصاحة الشافعي، ولقد سعى الكوثري في تثبيت فصاحة الشافعي جهده، فإن أهل المعرفة يعلمون أن في الكلام الفصيح مواضع يعسر توجيهها حتى لو كان كلام من يجوز عليه اللحن لجزموا بأنها لحن، فإذا رأوا هذا المجلب بخيله ورجله لم يجد فيما ثبتت نسبته إلى الشافعي موضعا واحدا بهذه الصفة، فأضطر إلى الاتيان بما تقدم مع الكلام عليه، فأي ريبة تبقى في فصاحة الشافعي؟
ومما ذكره ابن حجر في (توالي التأسيس) ومن عادته أن لا يجزم إلا بما صح عنده قال: «قال ابن أبي حاتم عن الربيع قال: قال ابن هشام: الشافعي ممن يؤخذ عنه اللغة. قال ابن أبي حاتم وحدثت عن أبي عبيد القاسم بن سلام نحوه. وقال أيضا سمعت الربيع يقول: كان الشافعي عربي النفس واللسان، قال: وكتب إلى عبد الله بن أحمد قال: قال أبي: كان الشافعي من أفصح الناس. وقال الساجي: سمعت جعفر بن محمد الخوارزمي يحدث عن أبي عثمان المازني عن الأصمعي قال ك قرأت شعر الشنقري على الشافعي بمكة. وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي: قلت لعمي: على من قرأت شعر هذيل؟ قال: على رجل من آل المطلب
(١) لم نجد في السنة ما يدل على ذلك، بل الثابت فيها مسح الرأس كله؛ فإذا اقتصر على بغضه أثم المسح على العمامة. راجع لذلك «زاد المعاد» لابن القيم. ن.