ومنهم من وقعت له روايات تنسب إلى أبي حنيفة بأن القرآن غير مخلوق، وتلك الروايات معروفة في (تاريخ بغداد) و (مناقب أبي حنيفة) وغيرها، فكيف يظن بهم أن يحملوا على أبي حنيفة ذنباً يرونه بريئاً منه ويخرجوه من صفهم مع عدم استغنائهم عنه إلى صف مخالفهم؟.
وأما ثانياً: فهل يريد الأستاذ أن يستنتج من ذلك أن أصحاب الحديث صاروا كلهم بين سفيه فاجر كذاب، وأحمق مغفل يستحل الكذب الذي هو في مذهبه من أكبر الكبائر وأقبح القبائح؟ فليت شعري عند من بقي العلم والدين؟ أعند الجهمية الذين يعزلون الله وكتبه ورسله عن الاعتداد في عظم الدين وهو الاعتقاديات ويتبعون فيها الأهواء والأوهام؟ ! يقال لأحدهم قال الله عز وجل ... ، وقال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فتلتوي عنقه ويتقبض وجهه تبرماً وتكرهاً، ويقال له: قال ابن سينا ... ، فيستوي قاعداً ويسمو رأسه وينبسط وجهه وتتسع عيناه وتصغي أذناه كأنه يتلقى بشرى عظيمة كان يتوقعها. فهل هذا هو الإيمان الذي لا يزيد ولا ينقص يا أستاذ!!
وأما ثالثاً: فإن ما يسميه الأستاذ «مثالب أبي حنيفة» أكثرها كان معروفاً قبل المحنة ولهذا احتاج الأستاذ إلى مساورة كبار الأئمة وأركان الدين وجبال الأمة مثل أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري وسفيان بن سعيد الثوري وحماد بن سلمة.
وأما رابعاً: فقد أثبتها في كتبه أو أثبت مقتضاها من عاصر المحنة وعرف ما لها وما عليها كيعقوب بن سفيان والبخاري وهل يتهم البخاري إلا مجنون؟.
وأما خامساً: فإن تلك المشادة لم تقتصر على أصحاب الحديث بل كان لأصحاب أبي حنيفة النصيب الأوفر من اختلاق الحكايات في مناقبه، بل جاوزوا ذلك إلى وضع الأحاديث كحديث:«يكون في أمتي رجل اسمه النعمان وكنيته أبو حنيفة، هو سراج أمتي، هو سراج أمتي، هو سراج أمتي» ، وزاد بعضهم فيه «وسيكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس فتنته على أمتي أضر من إبليس»