هيأ لعباده ما يحفظون به مصالح دنياهم هو الذي شرع لهم دين الإسلام وتكفل بحفظه إلى الأبد وعنايته بحفظ الدين أشد وأكد لأنه هو المقصود بالذات من هذه النشأة الدنيا قال الله عز وجل:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} .
ومن مارس أحوال الرواية وأخبار رواة السنة وأئمتها علم أن عناية الأئمة بحفظها وحراستها ونفي الباطل عنها والكشف عن دخائل الكذابين والمتهمين كانت أضعاف عناية الناس بأخبار دنياهم ومصالحها، وفي (تهذيب التهذيب) ج ١ ص ١٥٢: «قال إسحاق بن إبراهيم: أخذ الرشيد زنديقاً فأراد قتله فقال: أين أنت من ألف حديث وضعتها؟ فقال له: أين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك ينخلانها حرفاً حرفاً؟» وقيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: تعيش لها الجهابذة. وتلا قول الله عز وجل:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . والذكر يتناول السنة بمعناه إن لم يتناولها بلفظه، بل يتناول العربية وكل ما يتوقف عليه معرفة الحق، فإن المقصود من حفظ القرآن أن تبقى الحجة قائمة والهداية دائمة إلى يوم القيامة لأن محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء، وشريعة خاتمة الشرائع، والله عز وجل إنما خلق لعبادته فلا يقطع عنهم طريق معرفتها، وانقطاع ذلك في هذه الحياة الدنيا وانقطاع لعلة بقائهم فيها. قال العراقي في (شرح ألفيته) ج ١ ص ٢٦٧: «روينا عن سفيان قال: ما ستر الله أحداً يكذب في الحديث، وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: لو أن رجلا هَمَّ أن يكذب في الحديث لأسقطه الله، وروينا عن ابن المبارك قال: لوهَمَّ رجل في السحر أن يكذب في الحديث لأصبح والناس يقولون فلان كذاب» .
والمقصود هنا أن من لا يؤمن منه تعمد التحريف والزيادة والنقص على أي وجه كان فلم تثبت عدالته، فإن كان كل من اعتقد أمراً ورأى أنه الحق وأن القربة إلى الله تعالى في تثبيته لا يؤمن منه ذلك فليس في الدنيا ثقة، وهذا باطل قطعاً، فالحكم به على المبتدع إن قامت الحجة على خلافة بثبوت عدالته وصدقه وأمانته فباطل،