ويسمعون منهم ويتدبرون فما اتفق مما يخالف ذلك فابن مسعود غير مسؤول عنه، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قصد البيان فترك ما هو في الأصل مندوب أو فعل ما هو في الأصل مكروه، ربما يراه من لم يعرف الدليل السابق فيفهم خلاف المقصود، وربما توهم بعضهم النسخ، وربما يقع هذا التوهم لبعض فقهاء الأمة ويبقى ذلك في اتباعه، ولهذا نظائر كثيرة في الشريعة حتى في نصوص القرآن مما يقع بسببه بعض الناس في الخطأ ويبقى ذلك في أتباعه كما ترى ذلك واضحاً في اختلاف المذاهب، ولله تعالى في ذلك الحكمة البالغة يستيقنها المؤمن , إن لم يحط بها علماً، وليس هذا موضع النظر في ذلك (١) .
وأما الأمر الثاني والثالث، وهما قول الأستاذ:«لم يسلم سند للرفع من علة ولم يصح فيه إلا حديث ابن عمر» فمجازفة، وقال البخاري كما يأتي:«لا أسانيد أصح من أسانيد الرفع» وحديث ابن عمر قطعي الثبوت عنه وصح معه عدة أحاديث منها في (الصحيحين) حديث مالك بن الحويرث، وفي (صحيح مسلم) حديث وائل بن حجر، وأشار البخاري في (الصحيح) إلى حديث أبي حميد الساعدي في عشرة من الصحابة، وقد صححه ابن خزيمة وابن حبان وصححا حديث علي في ذلك، وفي (الفتح) : «قال البخاري في (جزء رفع اليدين) : من زعم أنه بدعة فقد طعن في الصحابة فإنه لم يثبت عن أحد منهم تركه، ولا أسانيد أصح من أسانيد الرفع، ... وذكر البخاري أيضاً أنه رواه سبعة عشر رجلاً من الصحابة، وذكر الحاكم وأبو القاسم ابن منده ممن رواه العشرة المبشرة، وذكر شيخنا أبو الفضل الحافظ أنه تتبع من رواه من الصحابة فبلغوا خمسين رجلاً» وتواتر باعتراف الكوثري الرفع عن جماعة من الصحابة بل نسبه غير واحد من التابعين كالحسن البصري وسعيد بن جبير إلى الصحابة مطلقاً، وتواتره عنهم يستلزم تواتره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يأتي في الأمر الخامس.
(١) علما أن الإمام معذور، ولكن ليس للمقلدة وقد عرفوا الوهم أي عذر. وانظر رسالة (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) لشيخ الإسلام ابن تيمية، طبع المكتب الإسلامي. زهير