وأما الأمر الرابع، وهو قول الكوثري أن ابن عمر «لم يأخذ به في رواية أبي بكر ابن عياش» ففيه مجازفة أيضاً، فإن المراد رواية أبي بكر بن عياش عن حصين عن مجاهد قال:«ما رأيت ابن عمر يرفع يديه إلا في أول ما يفتتح» . ولو صح هذا عن مجاهد لما دل على أن ابن عمر لم يرفع، فكيف أن يدل على انه لم يأخذ بالحديث؟ وأنا أذكر جماعة من العلماء وغيرهم صحبتهم مدة وصليت معهم وأتذكر الآن هل أذكر رفعهم عند الركوع أو ولكني تحريت ذلك في جماعة، فأنا الآن أذكر بعد طول العهد. ومجاهد لم يقل: رأيت ابن عمر لا يرفع، وإنما قال - إن صحت الحكاية عنه:«ما رأيت ابن عمر يرفع ... » وهذا يشعر بأنه لا ينفي أن يكون ابن عمر ورفع ولم يروه مجاهد، ومذهب مجاهد الرفع كما ذكر البخاري وغيره، فإن صح عنه ذاك القول فكأنه لم يتفق له أن يتحرى تفقد ابن عمر في رفعه، ,وإنما اتفق أنه شاهده رفع في أول الصلاة، ثم اشتعل مجاهد بصلاة نفسه. وقد صح عن ابن عمر أنه كان ربما يرفع رفعاً تاماً وربما يتجوز، ذكر مالك في (الموطأ) عن نافع «أن ابن عمر كان إذا ابتداء الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذ رفع رأسه من الركوع رفعها دون ذلك» وفي (سنن أبي داود) عن ابن جريج قال: «قلت نافع: أكان ابن عمر وصح عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه الرفع حذو المنكبين في الأولى وغيرها، قال الباجي في (المنتقى) : «ويحتمل أن يكون عبد الله بن عمر كان يفعل الأمرين جميعاً ويرى ذلك واسعاً فيهما» .
أقول: يدل مجموع الروايات عن ابن عمر أنه كان يرى أن أكمل الرفع أن تحاذي يداه منكبيه، وأن أصل السنة يحصل بما دون ذلك ولا سيما إذا كان هناك عذر، فكأن ابن عمر لما كبر وضعف كان ربما يتجوز في الرفع فيرفع إلى الثديين أو نحو ذلك، وربما يرفع في الأولى رفعاً تاماً لأنها آكد ويتجوز في الباقي. وكان ابن جريج جوزّ أن يكون المشروع التفرقة بأن يكون الرفع في الأولى أعلى، وسأل عن فعل ابن عمر ليستدل به على ذلك وفهم نافع هذا فأجابه بحسبه، فمحصل