الجواب أن ابن عمر لم يكن يتحرى التفرقة تحرياً يشعر بأنها مشروعة، بل كان ربما كان ربما يتجوز في الأولى أيضاً. فمن الجائر في الحكاية عن مجاهد أنه كان وراء ابن عمر غير قريب منه فاتفق أن ابن عمر رفع في الأولى رفعاً تاماً رآه مجاهد، وتجوز في الباقي فلم يره. ومن الجائز أن يكون ابن عمر سها في تلك الصلاة التي رقبه فيها مجاهد إن كان رقبه، وقد قال البخاري في (جزء الرفع اليدين) في الجواب عن تلك الحكاية: «قال ابن معين: إنما هو توهم لا أصل له، أو هو محمول على السهو كبعض ما يسهو الرجل في صلاته ولم يكن ابن عمر ليدع ما رواه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع ما رواه عن ابن عمر مثل طاوس وسالم ونافع ومحارب بن دثار وأبي الزبير أنه كان يرفع يديه ... » وروي البخاري في (جزء رفع اليدين) عن مالك أن ابن عمر كان إذا رأى رجلاً لا يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رماه بالحصى.
وإذا ترك ابن عمر الرفع في بعض صلاته سهواً أو ضعفاً لم يصدق عليه مع ما تواتر عنه من الرفع أنه لم يأخذ بالحديث، فكيف والذي في تلك الحكاية إنما هو نفي الرؤية لا نفي الرفع ولا تلازم بين النفيين كما سلف. ومع هذا كله فأبو بكر بن عياش عندهم شيء الحفظ كثير الغلط، ولم يخرج له البخاري في (الصحيح) إلا أحاديث ثبتت صحتها برواية غيره كما تراه في (مقدمة الفتح) ولم يخرج له مسلم شيئاً إلا أنه ذكر في (المقدمة) عنه عن مغيره ابن مقسم قال: «لم يكن يصدق على على رضي الله عنه في الحديث عنه إلا من أصحاب عبد الله بن مسعود» ، فلو كانت روايته هذه مخالفة لما ثبت برواية الجماعة عن ابن عمر لوجب ردها كما لا يخفى.
وأما الأمر الخامس وهو قول الأستاذ:«ودعوى أحد الفريقين التواتر في موضع الخلاف المتوارث غير مسموعة» .
فكأن الأستاذ انتقل ذهنه من التواتر إلى الإجماع، فإن الإجماع هو الذي يسوغ أن يقال: لا تسمع دعواه في مواضع الخلاف للإجماع. فأما التواتر فلا منافاة بينه وبين الخلاف المتوارث كما ستراه، بل إن الخلاف المتوارث إذا لم يثبت أن ابتداءه