مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» (الجمعة ٢ - ٤) . فالأميون الذين بعث فيهم الرسول عليهم آيات الله وزكاهم وعلمهم الكتاب والحكمة وكانوا من قبل في ضلال مبين هم العرب الذين أدركوا نبوته، علمهم مباشرة أو قريبا منها بأن أرسل إليهم رسولا، وهو صلى الله عليه وسلم حي ينزل عليه الوحي، والآخرون الذين لم يلحقوا بهم قد نص القرآن أنهم «منهم» فهم ذريتهم، فأما ما روي أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الآخرين فسكت عنه ثلاثا ثم وضع يده على سلمان الفارسي وقال:«لو كان الإسلام بالثريا لتناوله رجال من هؤلاء» فهذا لا يخالف الدلالة الواضحة من القرآن، وإنما سكت النبي صلى الله عليه وسلم عن جواب السؤال لأن القرآن واضح بنفسه لمن تدبره ثم وضع يده على سلمان وقال ما قال على سبيل أسلوب الحكيم كأنه قال: الأولى أن يسأل السائل هل يختص الدين بالأميين الذين بعث فيهم الرسول مباشرة ومن يلحق بهم منهم؟ فأجاب صلى الله عليه وسلم عن هذا السؤال المقدر.
فأما ما وقع في الرواية «رجال أو رجل» فشك من الراوي وأكثر الروايات «رجال» بلا شك لكن جاء حديث آخر «لو كان الدين عند بالثريا لذهب به رجل من فارس - أو قال من أبناء فارس - حتى يتناوله» ولم يذكر في هذا الحديث قصة الآية لكن كلا الحديثين من رواية أبي هريرة فإن كان أصل الحديثين واحدا، واللفظ «رجل» فلا شبهة أنه كناية عن سلمان كما تعينه القرينة. وإن كانا حديثين فالرجل سلمان والرجال هو وآخرون، هذا هو المعنى الواضح لمن أراد أم يفهم المراد من الكتاب والسنة. وأما من يريد أن يجرهما إلى هواه فلا كلام معه.
والمقصود هنا أن الشافعي ممن نالته المزية التي دعا بها إبراهيم وإسماعيل وذكرت في الآيات، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله والفضل العظيم. وقال الله تبارك وتعالى:«إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» آل عمران ٣٣ - ٣٤ وجاء في كتاب الله عز وجل عدة آيات تدل على انقطاع الاصطفاء عن ذرية آل عمران وبقي في غيرهم من