يختلط به البول ويبقى بحاله فإن اغتسل منه البائل وغيره كان مغتسلاً بماء مخالطه البل من أول اغتساله إلى آخره. وأما الجاري كماء النهر فإن الدافعة التي وقع فيها البول تذهب فوراً ولا تعود فلا يمكن البائل أن يعود فيغتسل فيها وإنما يمكنه أن يعود فيغتسل في تلك البقعة ولا صغير، فان الماء الذي يكون فيها ماء جديد لم يخالطه بوله، ومن شأن الماء الجاري أن يتلاحق فلا تكاد تمر الدافعة التي وقع فيها البول مسافة لهم قدر حتى يتلاحق بها الماء المتجدد فيتغلب عليها وعلى أنها حفظت بعض حالها حتى مرت بإنسان يغتسل فسرعان ما تجاوزه ويعقبها الماء الجديد بل المتجدد فيذهب بأثرها فهذا هو المعنى المعقول الذي به خالف الجاري الراكد فوجب البناء عليه وبذلك على الجواب.
وأما القضية الثانية فلو دل الحديث الجابر على تنجس الراكد بالبولة الواحدة لدل على تنجس كل ماء راكد قل أو كثر حتى البحر الأعظم فالصواب أن هناك عدة علل إذا خشيت واحدة منها تحقق النهي:
الأولى: التنجيس حالاً إما بأن يكون الماء قليلاً جداً تغيره البولة الواحدة، وإما بأن يكون دون المقدار الشرعي وقد تقدم الكلام فيه.
الثانية: التنجيس مآلاً وذلك أنه لو لم ينه عن البول في الماء الراكد لأوشك أن يبول هذا ثم يعود فيبول ويتكرر ذلك وكذلك يصنع غيره فقد يكثر البول حتى يغير الماء فينجسه.
الثالثة: التقدير حالاً، قال الشافعي كما في هامش (الأم) ج٧ص١١١ «ومن رأى رجلاً يبول في ماء نافع قذر الشرب منه والوضوء به» وقال قبل ذلك: «كما ينهى أن يتغوط على ظهر الطريق والظل والمواضع التي يأوي الناس إليها لما يتأذى به الناس من ذلك»
الرابعة: التقذير مآلاً؛ قد يكون الغدير أو المصنعة كبيراً جداً لا يقذره الإنسان لبولة واحدة لكن إذا علم أن الناس يعتادون البول فيه قذره.