ص٩٩:«وأهل العلم قد تبدر منهم بادرة فيتكلمون في أقرانهم بما لا يقبل فلا يتخذ ذلك حجة» .
وقد أسلفت تحقيق هذا المعنى في القاعدة الرابعة من قسم القواعد، والأستاذ يقصر عن الحق تارة، ويتعداه أخرى!
صعدة نابتة في حائر ... أينما الريح تميّلها تمل
وهكذا إن كان الحميدي لما استقبله صديقه الفتى الطياش بتلك الكلمة غلبه الغضب فأجاب بما أجاب، وحق للحميدي أن ينشق غضباً فإنه لو جاء بذاك الخبر أكذب الناس لما ساغ لعاقل أن يكذبه فيه لأن الشافعي حي يرزق بالقرب منهم، تمكن مراجعته بالسهو لة، فمن الذي يجترئ أن يكذب عليه مع علم الحميدي (١) بصدقه وأمانته وأنه لا هوى له، بل لو كان له هوى لكان مع ابن الحكم صديقه الذي أضافه في بيتهم نحواً من سنة كما نص على ذلك ابن عبد الحكم نفسه. وعلى كل حال فذاك الجواب فلتة غضب أيضاً كما لا يخفى، ولا عتب على الأستاذ في تشبثه به أيضاً لما احتاج إلى الكلام في ابن عبد الحكم كما يأتي في ترجمته!
ولم يبق الأستاذ على نفسه بل أخذ يتكهن فقال في ص ١٣٠ في الحميدي: «لما استصحبه الشافعي إلى مصر باعتبار أنه رواية ابن عيينة أخذ يطمع أن يخلف الشافعي بعد وفاته، ولما علم أن أصحابه لا يرضونه لبعده عن الفقه، حكى الشافعي أن أحق جماعته بمقامه هو البويطي، فكذبه محمد بن الحكم، ولم يكن مثل الإمام الشافعي ليسر إلى آحاد الآفاقيين بما يكتمه عن جماعته، ولو كان رأيه أن يكون البويطي خلفاً له لجاهر بذلك أمام جماعته لئلا يختلفوا بعده، وقد غرم البويطي ألف دينار والألف كثير إلى أن يصلح قلوب الجماعة كما حكى الحافظ ابن حجر في (توالي التأسيس) ، وللبراطيل أفاعيل، وكان هوى الحميدي مع البويطي
(١) كذا الأصل، ولعله سبق قلم المؤلف، والصواب ابن عبد الحكم، كما يدل عليه السياق. ن