وأما استبعاد أن يخبر بشر وهو من أتباع أبي حنيفة في الفقه بتلك الرؤيا فلا يكفي لدفع الرواية إذا صح سندها، فقد يعترف الرجل على نفسه، فإذا أخبر بذلك عنه ثقة قبل، فما الظن بما يخبر به عن أستاذه أو أستاذ أستاذه، وقد يكون بشر مع متابعته لأبي حنيفة في الفقه يخالف في بعض العقائد كما روي عن أبي يوسف أنه قال:«إنما كان مدرساً فما كان من قوله حسناً قبلناه، وما كان قبيحاً تركناه» تراه في (التأنيب) ص ٤٦. وقد يكون بشر يرى أن تلك الرؤيا أضغاث أحلام فلا يقيم لها وزناً وإنما أخبر بها تعجباً. وقد يكون يرى أن لها تأويلاً تكون بحسبه فضيلة وبشارة لأبي حنيفة وأصحابه. فيتأول السواد بالسؤدد، وصحبة القسيسين بالإشارة إلى قول الله تبارك وتعالى:
ولو قيل: إن الخطيب إنما ختم ترجمة أبي حنيفة بهذه الرؤيا نظراً إلى هذا التأويل كعادته في ختم التراجم بالرؤيا التي فيها بشارة لأصحابها كما فعل في ترجمة محمد بن الحسن وغيرها لكان أقوى بكثير من كثير من دعاوي الأستاذ. والله الموفق.
١٦٤- علي بن عمر بن أحمد بن مهدي أبو الحسن الدارقطني. ذكر الأستاذ ص ١٦٧ ما روي عن الدارقطني من نفيه سماع أبي حنيفة من أنس ثم قال: «وهو الذي يستبيح أن يقول: إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة ثلاثتهم ضعفاء. وأين هو من محمد بن عبد الله الأنصاري الذي يقول في إسماعيل: ما ولي القضاء من لدن عمر بن الخطاب إلى اليوم أعلم من إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة. يعني بالبصرة. وأين هو أيضاً من محمد بن مخلد العطار الحافظ الذي ذكر حماد بن أبي حنيفة في عداد الأكابر الذين رووا عن مالك. وأين هو أيضاً من هؤلاء الذين