وأما الرابع: فقد طهر الله ابن طاهر من اختلاق الكذب، ولكن لا مانع أن يسمع حكاية لها علاقة ما بالجمال الذي كان مولعاً به متسمحاً في شأنه فتصطبغ في نفسه صبغة تناسب هواه فيحكيها بتلك الصبغة على وجه الرواية بالمعنى. فعسى أن يكون بعض أعداء الخطيب في دمشق لما سعوا به إلى ذاك الأمير الرافضي على ما تقدم عن ابن عساكر توقف لأن أكثر أهل الشام أهل سنة ويخشى أن يعلموا أنه تعرض للخطيب لأجل المذهب ففكر أولئك السعاة في حيلة، فرأوا في طلبه العلم الذين كانوا يختلفون إلى الخطيب فتى صبيحاً فتكلموا بين الناس بأن في اختلاف مثله إلى الخطيب ريبة وربما اختلقوا ما يوقع الريبة عند بعض الناس ثم قالوا للأمير تأخذ الخطيب على أنك إنما أخذته بهذه التهمة التي قد تحدث بها الناس.
فإذا كانت الواقعة هكذا فهي معقولة فقد يقع مثلها لأفضل الناس ويخبر بوقوعها له أعقل الناس وأحزمهم إذا كان يعلم أن معرفتهم بحاله تحجزهم عن أن يتخرصوا منها ما يكره، ويحكى وقوعها لأستاذه أبر الناس وأوفاهم، ولكن ابن طاهر لما سمعها اصطبغت في فهمه ثم في حفظه ثم في عبارته بميله وهواه ورأيه الذي ألف فيه ويؤيد هذا أن الرميلي لما حكى القصة سمى ذاك الفتى ولم ير في ذكر اسمه غضاضة عليه فلما حكاها ابن طاهر لم يسمه بل قال:«قد سماه مكي وأنا نكبت عن ذكره» لأن لونها عند ابن طاهر غير لونها عند مكي ولم يحتج ابن طاهر إلى تسميته كما احتاج إلى ذكر وقوع القصة للخطيب لتكون شاهداً لابن طاهر على ما يميل إليه كما استشهد بما حكاه عن ابن معين من قصة الجارية.
فتدبر ما تقدم ثم استمع لسبط ابن الجوزي وتصرفه.
قال الذهبي في (الميزان) : «يوسف بن فرغلي الواعظ المؤرخ شمس الدين أبو المظفر سبط ابن الجوزي روى عن جده وطائفة، وألف (مرآة الزمان) فتراه يأتي فيه بمناكير الحكايات، وما أظنه بثقة فيما ينقله بل يجنف ويجازف، ثم أنه ترفض وله في ذلك مؤلف ... قال الشيخ محي الدين ... لما بلغ جدي موت سبط ابن الجوزي قال لا رحمه الله كان رافضيا. قلت كان بارعاً في الوعظ ومدرساً للحنفية» .