فأما الاحتياط البالغ في دين الله الذي يموه به الأستاذ فالتحري البالغ الذي سبق ما فيه في الفصل الثالث فلا نعيده.
هذا وحديث الرضخ سيأتي بسط الكلام فيه في الفقهيات إن شاء الله تعالى.
والمقصود هنا أن أصحاب الرأي لهم عادة ودربة في دفع الروايات الصحيحة ومحاولة القدح في بعض الرواة حتى لم يسلم منهم الصحابة رضي الله عنهم، على أن الأستاذ لم يقتصر على كلام أسلافه وما يقرب منه بل أربى عليهم جميعاً كما تراه في (الطليعة) ويأتي بقيته في التراجم إن شاء الله تعالى.
وأما غلاة المقلدين فأمرهم ظاهر وذلك أن المتبوع قد لا تبلغه السنة وقد يغفل عن الدليل أو الدلالة وقد يسهو أو يخطئ أو يزل، فيقع في قول تجيء الأحاديث بخلافة فيحتاج مقلدوه إلى دفعها والتمحل في ردها ولو اقتصر الأستاذ على نحو ما عرف عنهم لهان الخطب، ولكنه يعد غلوهم تقصيراً.!
وأما المتكلمون فأول من بلغنا أنه خاض في ذلك عمرو بن عبيد، ذكر له حديث يخالف هواه، رواه الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عمرو «لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته، ولو سمعته من زيد بن وهب لما صدقته ولو سمعت ابن مسعود يقوله لما قبلته، ولو سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول هذا لرددته، ولو سمعت الله - عز وجل - يقول هذا لقلت: ليس على هذا أخذت ميثاقنا»(١) وتعدى إلى القرآن فقال في {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} وقوله تعالى {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} . «لم يكونا في اللوح المحفوظ» كأنه يريد أن الله تبارك وتعالى لم يكن يعلم بما سيكون من أبي لهب ومن الوحيد. ثم كان في القرن الثاني جماعة ممن عرف بسوء السيرة والجهل بالسنة ورقة الدين كثمامة بن أشرس والنظام والجاحظ
(١) ساقه الذهبي في ترجمة عمرو بن عبيد في «الميزان» مساق المسلمات. ن