قال ابن عبد البر: كثير من أهل الحديث استجازوا الطعن على أبي حنيفة لرده كثيراً من أخبار الآحاد العدول، لأنه كان يذهب في ذلك إلى عرضها على ما اجتمع عليه، ويقول: الطاعات من الصلاة وغيرها، لا تسمى إيماناً، وكل من قال من أهل السنة: الايمان قول وعمل، ينكرون قوله ويبدِّعونه بذلك، وكان مع ذلك محسوداً لفهمه وفطنته اهـ.
(قلت) وليست الفطنة والفهم مما يبدع بهما صاحبهما عند أهل السنة إذا جرى صاحبهما على قواعد السنة، ولم يشذ عن جادة الصواب من الكتاب والسنة. فترى ابن عبد البر أثبت تبديع أهل السنة لأبي حنيفة وانكارهم لقوله، وأما قوله: إنه كان مع ذلك محسوداً، فنرجىء معرفة أشخاص الحاسدين له، إلى أن نلقى ابن عبد البر يوم القيامة فنسأله: من هم؟ هل هم مالك والثوري وابن عيينة والشافعي وأحمد والبخاري!! أو من هم؟
قال ابن البر: ونذكر في هذا الكتاب من ذمه، والثناء عليه ما يقف فيه الناظر على حاله. عصمنا الله وكفانا الحاسدين آمين رب العالمين (نقول معك: آمن رب العالمين) .
قال: فممن طعن عليه وجرحه أو عبد الله محمد ابن إسماعيل البخاري، فقال في كتابه في "الضعفاء والمتروكين": أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي. قال نعيم بن حماد، نا يحى بن سعيد، ومعاذ بن معاذ، سمعا سفيان الثوري، قال: استتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين. وقال نعيم الفزاري: كنت عند سفيان بن عيينة فجاء نعي أبي حنيفة، فقال: لعنه الله، إن كان (كاد) يهدم الإسلام عروة عروة، وما ولد في الإسلام مولود شر منه. هذا ما ذكره البخاري اهـ كلام ابن عبد البر ١) .
(١) يوسف بن عبد الله القرطبي المالكي أبو عمر من كبار حفاظ الحديث، صاحب الرحلات الطويلة والمؤلفات الكثيرة. وكان يقال له: حافظ المغرب ولد سنة ٣٦٨ في قرطبة. وكانت وفاته سنة ٤٦٣ ب "شاطبة" وقد تَمَحَّلَ الكوثري في الإعتراض عليه لأنه قدم الإمام مالك والإمام الشافعي على الإمام أي حنيفة في كتابه "الإنتقاء" أضف إلى ما يضمره من عداوة لكل من خدم الحديث النبوي.