يشتغل في المسجد بغير ذكر الله غير شاعر بأن مذاكرة الفقه من ذكر الله، وله رأيه وللأهل العلم رأيهم، ولم يكن هو ممن يحتج بقوله في هذا الموضع، ولا أدري لماذا تكلف الخطيب الرواية عنه وحاله معلوم مما رواه الخطيب نفسه في ج٧ ص٣٦ حيث قال: أخبرنا ... سمعت حبش بن برد يقول رأى أسود بن سالم يغسل وجهه من غدوة إلى نصف النهار فقيل له أيش خبرك؟ قال: رأيت اليوم مبتدعاً فان أغسل وجهي منذ رأيته وإلى الساعة وأنا أظنه لا ينفي» !
أقول: وأنا ما أدري لماذا تكلف الأستاذ بالتأويل المستكره؟ فأنه لا يخفي أن الأسود لم ينكر المذاكرة من حيث هي، ولو كان كذلك لنكرها عليهم عند شريعتهم فيها ولما كان لذكر أبي حنيفة وجه ولما حكى أبو عبيد الإمام في كل فن القصة على ما حكاها فأما قصة غسل الوجه فالذي في «التاريخ» حبش بن الورد، فكأن حبش بن أبي الورد المترجم في «التاريخ» أيضاً باسم محمد بن الورد ولقبه حبش وهو من المذكورين بالعبادة والزهد يروي الحكايات ولم يوثق. والأستاذ يعد قول الراوي «قيل لفلان» أو سئل فلان» منقطعاً للجهل بالقائل أو السائل، وقد رددت عليه ذلك في القواعد وغيرها، وقول حبش «رئي أسود» ظاهر في الانقطاع بخلاف «قيل» و «سئل» فإن الراوي قد يحضر الواقعة ويكون القائل أو السائل غيره دونه فأما أن يحضرها ويكون الرائي غيره دونه فلا إلا أن يكون أعمى. فليبحث الأستاذ لعله يجد نصا على أن حبشاً كان أعمى فيصير قوله «رئي أسود» بمنزلة قول غيره «قيل لفلان» و «سئل فلان» ونحو ذلك كقول سلمة «قال رجل لابن المبارك» ! فإن صحت القصة بالأسود أنه إنما قصد تنقير الناس عن البدع وأهلها!
٥٥- أصبغ بن خليل القرطبي. قال الأستاذ ص ١٠٥: «روى الحافظ أبو الوليد بن الفرضي عن أبي القاسم أصبغ بن خليل القرطبي الذي دارت عليه الفتوى في مذهب مالك خمسين عاماً وتوفي سنة ٢٧٣ أنه قال: لأن يكون في تابوتي رأس خنزير أحب إلي من أن يكون فيه (مصنف ابن شيبة) » !