رأيت بذلك العسكر أصدق لهجة من الأصمعي» فتدبر هذه الكلمة وأنظر من كان ببغداد من الأكابر الذين رآهم الشافعي بها.
وقال أبو أمية الطرطوسي:«سمعت أحمد ويحيى يثنيان على الأصمعي في السنة. قال: وسمعت على بن المديني يثني عليه» وقال عباس الدوري: قلت لابن معين: أريد الخروج إلى البصرة فعمن أكتب؟ قال: عن الأصمعي فهو صدوق» وقال أبو داود: «صدوق» وقال نصر بن علي: «كان الأصمعي يقول لعفان ك اتق الله ولا تغير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولي» قال نصر بن علي: «كان الأصمعي يتقي أن يفسر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يتقي أن يفسر القرآن» وذكره ابن حبان في (الثقات) وقال: «ليس فيما يروي عن الثقات تخليط إذا كان دونه ثقة» .
أقول: وتجد في كتب اللغة ومعاني الشعر مواضع كثيرة يتوقف عنها الأصمعي وذلك يدل على توقيه وتثبته. وكأن ابن جني أشار إلى كلام علي بن حمزة إذا قال في (الخصائص) :
«وهذا الأصمعي وهو صناجة الرواة والنقلة وإليه محط الأعباء والثقلة، ومنه يجنى الفقر والملح، وهو ريحان كل مغتبق ومصطبح، كانت مشيخة القراء وأماثلهم تحضره وهو حدث لأخذ قراءة نافع عنه، ومعلوم قدر ما حذق من اللغة فلم يثبته لأنه لم يقو عنده غذ لم يسمعه ... فأما إسفاف من لا علم له وقول من تمسك به أن الأصمعي كان يزيد في كلام العرب ويفعل كذا ويقول كذا، فكلام معفو عنه غير معبوء به ولا متقدم في مثله حتى كأنه لم يتأد إليه توقفه عن تفسير القرآن وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وتحرزه من الكلام في الأنواء» .
وأما ما يحكى عن الأصمعي من النوادر فقد نحله الناس حكايات كثيرة جدا وكل من أراد أن يضع حكاية نسبها إلى الأصمعي فلا يلتفت من ذلك إلا إلى ما صح سنده ولن يوجد في ذلك إلا ما هو حق وصدق، أو يكون الحمل منه على من فوق الأصمعي؛ ومحاولة الأستاذ التفرقة بين الحديث والحكايات محاولة فاشلة، والصدق الذي يثنى به على الراوي شيء واحد إما أن يثبت للأصمعي كله، وهو الواقع كما صرحت به كلمة الشافعي السابقة، واقتضته كلمات غيره، وإما أن يسقط كله. وقد