الفرسان تختلف باختلاف الحروب. أبهذا يكون أبو حنيفة رد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟. حاشاه» .
أقول: لايخفى ما في هذا التوجيه من التعسف. وقد كثرت الحكايات عن أبي حنيفة في مجابهة من يعترض عليه بالكلماتالموحشة، فقد يقال: أنه كان يتبرم بالمعرضين، ولا يراهم أهلاً للمناظرة، فكانيدفعهم بتلك الكلمات لئلا يعودوإلى التعرض، غير مبال بما يترتب على ذلك من اعتقادهم. فهل جرى على هذه الطريقة مع أصحابة حتى أن أخصهم به وآثرهم عنده وأعلمهم بمقاصده -وهو أبو يوسف -لم يتفطن له الأستاذ؟
فأما حذف الألف في كتاب المتقدمين فيقع في ثلاثة مواضع الأول: حيث يؤمن اللبس إما لعدم ما يلتبس به مثل: القاسم بن فلان سليمان بن فلان. وإسحاق بن فلان. فإن هذه الأعلام إذا كتبت بلا ألف لا يوجد ما يلتبس بها. وأما في متابة القرآن الذي من شأنه أن يؤخذ بالتلقي والتلقين وتعم معرفته بحيث إذا أخطاء مخطئ لم يلبث أن ينبه. وأما فيما يصح على كلا الوجهين مثل جبريل و «ملك يوم الدين» وليس قوله في الحديث «للفرس للرجل» . في شيء من هذا. اللهم إلا أن يخطيء الكاتب يسمع «للفارس للرجل» فيحسب ذلك مما يجوز تخفيفه في الكتابة فيكتب «للفرس. للرجل» لكنه كما قد يحتمل هذا فكذلك قد يحتمل أن يخطئ القارى بأن يكون الكاتب سمع «للفرس. للرجل» فكتبها كذلك، ثم توهم القارئ أن الأصل «للفارس. للرجل» وإنما حذف الألف تخفيفاً في الكتابة فيقرؤها «للفارس. للرجل» ويريها كذلك.
وأما تقديم الحقيقة على المجاز، فالذي في الرواية «جعل للفرس همين وللرجل سهماً» ولا يتجه في قوله: «للفرس» مجاز، بل اللام لام التعليل، أي جعل لأجل الفرس. فغن قيل: بل اللام لشبه التمليك، قلنا فما الحجة على أن لام شبه التمليك مجاز؟ فإن كانت هناك حجة فجعلهاللتعليل اولى تقديماً للحقيقة على المجاز وكذلك لوساغ أن يطلق «الفرس» ويراد «الفارس» كما زعم الأستاذ.