وأما ما يقال: إن اختصاص المدعى عليه باليمين أصل من الأصول، فحديث القضاء بشاهد ويمين المدعي مخالف للأصول، فتهويل، ويمكن دفعه بأن لما اقام شاهدا عدلا صار الظاهر بيده، فاذا اصر المدعي عليه على الانكار فهو مدع لبطلان ذاك الظهور، فقد صار المدعي في معنى المدعى عليه وصار المدعى عليه في معنى المدعي. ويمكن معارضته بأصل آخر، وهو: انه لا يخالف المدعى عليه مع وجود بينة للمدعى.
فان قيل: ذاك إذا كانت بينة تامة.
قلت: لنا أن نمنع هذا. ويتحصل من ذلك أن المتفق عليه انه لا يمين للمدعي حيث لا شاهد له، ولا يمين للمدعى عليه مع وجود بينة تامة، ما إذا كان للمدعي شاهد واحد مترددا بين هذا الاصلين، فيؤخذ فيه بالدليل الخاص به، وقد ثبت الحديث بتحليف المدعي، فان حلف صارت البينة في معنا التامة، وان أبى صار في معنى من لا شاهد له أصلا. والله الموفق.
وأما الانقطاع الثاني وهو مبين في قيس وعمر وفلا وجه له، ولم يقله من يعتد به، وقد تقدم ان البخاري كأنه استبعد صحة الحديث، ثم لم يكن عنده إلا أن حدس إن عمرا لم يسمعه من ابن عباس، وقد تقدم الكلام معه في ذلك، وهو الذي يشدد في اشتراط العلم باللقاء، فلو كان هناك مجال للشك في سماع قيس من عمرولما تركه البخاري والتجأ إلي ذاك الحدس الضعيف الذي لا يجدي، وقيس ولد بعد عمروومات قبله، وكان معه في مكة وسمع كل منهما من عطاء وطاوس وسعد بن جبير ومجاهد وغيرهم، وكان عمرولا يدع الخروج الى المسجد الحرام والقعود فيه إلي أن مات، كما تراه في ترجمة من (طبقات ابن سعد) ، وكان قيس قد خلف عطاء في مجلسه كما ذكره ابن سعد أيضا، وسمع عمرومن ابن عباس وجابر وابن عمر وغيرهم ولم يدركهم قيس، فهل يظن بقيس انه لم يلق عمرا وهو هـ معه بمكة منذ ولد قيس إلى أن مات؟ أو لم يكونا يصليان في المسجد الحرام الجمعة والجماعة؟ أو لم يكونا يجتمعان في حلقة عطاء غيره في المسجد ثم كان لكل منهما حلقة في المسجد قد لا تبعد إحدى الحلقتين عن الأخرى إلا بضعة اذرع. اويظن بقيس انه استنكف السماع من عمرولأنه قد شاركه في صغار مشايخه ثم يرسل عنه إرسالا؟ وقد قاتل الأستاذ أشد القتال