منه شيء مما ذكر لتوفرت الدواعي على نقله، نعم لو فرضنا أن الجارح ذكر أمراً يصح أن يقال فيه: لو وقع لتوفرت الدواعي على نقله تواتراً: ولم يكن ذلك، فأنه لا يقبل منه. ولو أن السبكي ترك أن يفرض ما لم يقع بما وقع واعتنى بما وقع في الأمثلة التي ذكرها وبين وجوهها لأجاد وأفاد، وقد تعرضت لما وقفت عليه من ذلك في تراجم أولئك الثلاثة من قسم التراجم ولله الحمد.
[٩- مباحث في الاتصال والانقطاع]
المبحث الأول: في رواية الرجل بصيغة محتملة للسماع عمن عاصره ولم يثبت لقاؤه له.
ذكر مسلم في مقدمة (صحيحه) عن بعض أهل عصره: أنه شرط أن يثبت لقاء الراوي للمروي عنه ولو مرة فان لم يثبت لم يحكم لما يرويه عنه بالاتصال، وذكروا أن الذي شرط ذلك هو البخاري وشيخه علي بن المديني، وحكى مسلم إجماع أهل العلم سلفاً وخلفاً على الاكتفاء بالمعاصرة وعدم التدليس، وألزم مخالفه أن لا يحكم بالاتصال فيما لم يصرح فيه الراوي بالسماع وإن ثبت اللقاء في الجملة ولم يكن الراوي مدلساً. وتوضيح هذا الإلزام أنه كما أن الراوي الذي يعرف ويشتهر بالارسال عمن عاصره ولم يلقه قد يقع له شيء من ذلك، فكذلك الراوي الذي لم يعرف ويشتهر بالارسال عمن لقيه وسمع منه قد يقع له شيء من ذلك. فان كان ذلك الوقوع يوجب التوقف عن الحكم بالاتصال في الأول فيوجبه في الثاني، وإن لم يوجبه في الثاني فلا يوجبه في الأول، أجاب النووي بما إيضاحه أن رواية غير المدلس بتلك الصيغة عمن قد لقيه وسمع منه الظاهر منها السماع، والاستقراء يدل أنهم إنما يطلقون ذلك في السماع إلا المدلس. أقول فمسلم يقول: الحال هكذا أيضاً في رواية غير المدلس عمن عاصره، والرواية عن المعاصر على وجه الإيهام تدليس أيضاً عند الجمهور، ومن لم يطلق عليها ذلك لفظاً لا ينكر أنها تدليس في المعنى، بل هي أقبح عندهم من إرسال الراوي على سبيل الإيهام عمن قد سمع منه.