والذي يظهر لي في ما وقع في «المستدرك» من الخلل أن له عدة أسباب:
الأول: حرص الحاكم على الإكثار وقد قال في خطبة «المستدرك» : «قد نبغ في عصرنا هذا جماعة من المبتدعة يشمتون برواة الآثار بأن جميع ما يصح عندكم من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث وهذه الأسانيد المجموعة المشتملة على الألف جزء أو أقل أو أكثر كلها سقيمة غير صحيحة» فكان له هوى في الإكثار للرد على هؤلاء.
والثاني: أنه قد يقع حديث بسند عال أو يكون غريبا مما يتنافس فيه المحدثين فيحرص على إثباته وفي «تذكرة الحفاظ» ج ٢ ص ٢٧٠ «قال الحافظ أبو عبد الله الأخرم استعان بي السراج في تخريجه على «صحيح مسلم» أتحير من كثرة حديثه وحسن أصوله، وكان إذا وجد الخبر عاليا يقول: لا بد أن يكتبه «يعني في المستخرج» فأقول: ليس من شروط صاحبنا «يعني مسلما فشفعني فيه» . فعرض للحاكم نحو هذا كلما وجد عنده حديثنا يفرح بعلوه أو غرابته اشتهى أن يثبته في «المستدرك» .
الثالث: أنه لأجل السببين الأولين ولكي يخفف عن نفسه من التعب في البحث والنظر لم يلتزم أن لا يخرج ما له علة وأشار إلى ذلك، قال في الخطبة:«سألني جماعة ... أن أجمع كتابا: يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها إذ لا سبيل إلى إخراج مالا علة له فإنهما رحمهما الله لم يدعيا ذلك لأنفسهما» ولم يصب في هذا فإن الشيخين ملتزمان أن لا يخرجا إلا ما غلب على ظنهما بعد النظر والبحث والتدبر أنه ليس له علة قادحة، وظاهر كلامه أنه لم يلتفت إلى العلل البتة وأنه يخرج ما كان رجاله مثل وإن لم يغلب على ظنه أنه ليس علة قادحة.
الرابع: أنه لأجل السببين الأولين توسع في معنى قوله: «بأسانيد يحتج ... بمثلها» ، فبنى على أن في رجال الصحيحين من فيه كلام فأخرج عن جماعة يعلم أن