قال ابن عبد البر: وذكر الساجي في كتاب "العلل " أنه- يعني أبا حنيفة- استتيب في خلق القرآن فتاب، والساجي كان ينافس أصحاب أبي حنيفة.
أقول: والعتب عليك يا ابن عبد البر إن كنت ترى منافسته لهم تحمله على الكذب على إمامهم، ثم تملاء كتابك بالنقل عنه، أو لعلّك أردت بذلك تأشيرة المرور فقط عند مجانين أبي حنيفة، قال ابن عبد البر: وذكر الساجي عن أبي السائب عن وكيع ابن الجراح قال: وجدت أبا حنيفة خالف مائتي حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، (قلت) لعلة خالفها إلى الرأي الحسن، وهل الدين إلا الرأي الحسن؟ وبما أصله؛ من عَرْضِهَا على الكتاب والاجماع، وان شَذَّ بذلك عن صراط الصحابة والتابعين.
ومن طريق الساجي، عن محمد بن نوح المدائني، عن معلى بن أسد، قلت لابن المبارك: كان الناس يقولون إنك تذهب إلى قول أبي حنيفة، قال: ليس كل ما يقول الناسُ يصيبون فيه، قد كنا نأتيه زمانا ونحن لا نعرفه، فلما عرفناه تركناه. (قلت)
فهذا ابن المبارك شيخ شيوخ الجماعة ترك أبا حنيفة بعد معرفته به. وبسند ابن عبد البر إلى أحمد بن زهير: كان أبي يقرأ علينا في أصل كتابه حديث أهل الكوفة، وإذا مر بأحاديث عن أبي حنيفة لم يقرأها علينا، فهذا زهير بن معاوية شيخ شيوخ الجماعة يترك أبا حنيفة وأحاديثه، لماذا؟ وبسند ابن عبد البر إلى سفيان بن عيينة قال: كان أبو حنيفة يضرب بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأمثال فيرده بعلمه، حدثته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "البيعان بالخيار" فقال أبو حنيفة: أرأيتم إن كانوا في سفينة كيف يفترقون؟ هل سمعتم بشرّ من هذا؟ اهـ والحديث بالتثنية. والمثل المضروب لرده بالجمع، ولا بأس بذلك عند من يقول: ولو ضربه (بأبا قبيس) . قلت: ولمن يدافع عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول: إفتراق كل شيء بحسبه، والسفينة لها مقدم ومؤخر وظهر وبطن، وجانب أيمن وأيسر ولها جوانب، ومن السفن ما هو كالمدينة، وذكروا منها ما على ظهره سباق خيل ومطبعة صحيفة أخبار.
ولو عاش أبو حنيفة حتى رأى الجواري المنشآت في البحر كالأعلام، التي هي مدن متحركة على ظهر البحر يضيع فيها الإنسان لسعتها وتعدد طبقاتها وغرفها، لعله كان