كان عقب وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فوراً لم يمنع من دعوى إجماع سابق، فلنا أن ندعي في قضيتنا هذه إجماع الصحابة، لأن جماعة منهم رووا الرفع وتواتر العمل به عن كثير منهم كما اعترف به الكوثري، بل نسبه غير واحد من التابعين كالحسن البصري وسعيد بن جبير إلى الصحابة مطلقاً فاشتهر ذلك وانتشر ولا يعرف عن أحد منهم ما يدل على أنه غير مشروع، فأما ما روي عن بعضهم أنه تركه فلم يثبت، وقد مر الكلام على ما روي عن ابن مسعود ويأتي الكلام على غيره، ولوثبت بعض ذلك فإنما هو ترك جزئي، أي في ركعة واحدة أو صلاة واحدة، وذلك لا يدل على أن التارك يراه غير مشروع، وإذ قد يكون ترخص لعذر أو لغير عذر في ترك ما يعلمه مندوباً. بل لوثبت أن بعضهم تركه مدة طويلة لما دل ذلك على أنه يراه غير مشروع، فقد جاء عن أبي بكر وعمر وابن عباس أنهم كانوا لا يضحون. بل قد ثبت أن الصحابة تركوا في عهد عثمان تكبيرات الخفض والرفع أو الجهر بها، واستمر ذلك حتى أن علياً لما قدم العراق وصلى بهم وأتى بالتكبيرات الخفض والرفع أو الجهر قال عمران بن حصين كما في (الصحيحين) وغيرهما «ذكرنا هذا الرجل صلاة كنا نصليها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» وقال أبو موسى الأشعري فيما رواه أحمد وغيره بسند صحيح في (الفتح)«ذكرنا الصلاة كنا نصليها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إما نسيناها وإما تركناها عمداً» واستمر الترك بالحجاز حتى أن أبا هريرة حين استخلفه مروان على إمارة المدينة في عهد معاوية صلى بهم فأتى بالتكبيرات وجهر بها فأنكروا ذلك، قال أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف كما في (صحيح مسلم) : «قلنا يا أبي هريرة ما هذا التكبير؟ فقال: إنها لصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» وصلى بهم بمكة فأتى بالتكبيرات وجهر بها فأنكروا ذلك، وقال عكرمة كما في (صحيح البخاري) وغيره «فقلت لابن عباس إنه أحمق، قال ثكلتك أمك سنة أبي القاسم محمد - صلى الله عليه وسلم -» .
فأما التواتر فأمره واضح، فإنه قد يحصل لشخص دون آخر، وقد جاء عن ابن مسعود أنه كان يقول أن المعوذتين ليستا من القرآن واعتذر أهل