فنشأت دولتهم التي رأى أبو حنيفة الخروج عليها، واحتشد الروافض مع إبراهيم الذي رأى أبو حنيفة الخروج معه ولو كتب له النصر لاستولى الروافض على دولته، فيعود أبو حنيفة يفتي بوجوب الخروج عليهم!
هذا والنصوص التي يحتج بها المانعون من الخروج والمجيزون له معروفة، والمحققون يجمعون بين ذلك بأنه إذا غلب على الظن أن ما ينشأ عن الخروج من المفاسد أخف جداً مما يغلب على الظن أنه يندفع به جاز الخروج وإلا فلا. وهذا النظر قد يختلف فيه المجتهدان، وأولاهما بالصواب من اعتبر بالتاريخ وكان كثير المخالطة للناس والمباشرة للحروب والمعرفة بأحوال الثغور، وهكذا كان أبو إسحاق.
وأما حال أبي إسحاق في الرواية فنبدأ بتلك الكلمة:«كثير الخطأ في حديثه» هذه الكلمة نقلها الأستاذ عن ابن سعد وابن قتيبة وابن النديم، فأقول: ابن قتيبة وابن النديم لا شأن لهما بمعرفة الرواية والخطأ والصواب فيها وأحوال الرواة ومراتبهم، وإنما فن ابن قتيبة معرفة اللغة والغريب والأدب، وابن النديم رافضي وراق، فنه معرفة أسماء الكتب التي كان يتجر فيها، وإنما أخذا تلك الكلمة من ابن سعد.
وابن سعد هو محمد بن سعد بن منيع كاتب الواقدي، روى الخطيب في ترجمته أن مصعباً الزبيري قال لابن معين:«حدثنا ابن سعد الكاتب بكذا وكذا» فقال ابن معين «كذب» واعتذر الخطيب عن هذه الكلمة وقال: «محمد عندنا من أهل العدالة وحديثه يدل عل صدقه..» وقال أبو حاتم: «يصدق» ووفاة ابن سعد سنة ٢٣٠ فقد أدركه أصحاب الكتب الستة إدراكاً واضحاً وهو مقيم ببغداد حيث كانوا يترددون، وهو مكثر من الحديث والشيوخ وعنده فوائد كثيرة ومع ذلك لم يخرجوا عنه شيئاً إلا أن أبا داود روى عن أحمد بن عبيد وستأتي ترجمته عن ابن سعد عن أبي الوليد الطيالسي أنه قال:«يقولون قبيصة بن وقاص له صحبة» وهذه الحكاية ليست بحديث ولا أثر ولا ترفع حكما ولا تضعه، والأستاذ كثيراً ما يتشبث