الرابعة: أنه ليس في القصة تصريح من ابن مسعود بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرفع إلا في أول الصلاة، وغاية الأمر أنه ذكر أنه سيخبرهم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قام فصلى بهم، فإن بنينا على رواية ابن إدريس عن عاصم فليس فيها ذكر أن عبد الله لم يرفع في غير أول الصلاة. فقد يكون رفع ولم يذكر الرواي ذلك كما لم يذكر وضع اليدين على الصدر والقراءة والتكبير للركوع، وكأنه إنما كان يهمه من ذكر القصة شأن التطبيق، وفي (مسند أحمد) ج ١ص ٤١٣ من طريق «أبي إسحاق عن أبي الأسود عن علقمة والأسود أنهما كانا مع ابن مسعود، فحضرت الصلاة فتأخر علقمة والأسود، فأخذ ابن مسعود بأيديهما فأقام أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره، ثم ركعا فوضعا أيديهما على ركبهما، وضرب أيديهما ثم طبق بين يديه وشبك وجعلها بين فخذيه، وقال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله» وبنحوه رواه منصور عن إبراهيم عن علقمة والأسود كما في (صحيح مسلم) . وفيه من طريق الأعمش عن إبراهيم عن الأسود وعلقمة نحوه وزاد قال: فلما صلى قال ... وإذا كنتم ثلاثة فصلوا جميعاً، وإذا كنتم أكثر من ذلك فليؤمكم أحدكم، وإذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليجنأ وليطبق بين كفيه فلكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأراهم» ؛ فأكثر الروايات لا تذكر عدم الرفع كما ترى وكثير منها لا تذكر حتى الرفع أول الصلاة فيظهر من هذا أن الذي كان يهم ابن مسعود من تعليمهم في تلك الصلاة ويهمهم من رواية القصة إنما هو مقام الثلاثة والتطبيق ولذلك لم يذكر عقب الصلاة إلا هذين إذ قال:«إذا كنتم ثلاثة ... » كما مر.
فإن قيل: فقد اشتهر عن علقمة والأسود وغيرهما من أصحاب ابن مسعود أنهم كانوا لا يرفعون إلا في أول الصلاة، ولو رأياه رفع في غير ذلك ولاسيما في تلك الصلاة لكان الظاهر أن يأخذوا ذلك عنه، فقد أخذوا عنه التطبيق وغيره؟
قلت: فقد أشار بعض أهل العلم إلى احتمال أن تكونا غفلا عن رفعه يديه في غير أول الصلاة، وأشار بعهم إلى احتمال أن يكون ابن مسعود ذهل عن الرفع