كبعض ما يسهو الرجل لأن المهم في تلك الصلاة كان بيان الموقف والتطبيق كما مر.
فإن قيل هذه احتمالات بعيدة، قلت هي على كل حال أقرب من دفع ما ثبت عن جماعة من الصحابة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع، وما تواتر عنهم أنهم كانوا يرفعون.
فإن قيل فقد ذهب بعضهم إلى احتمال النسخ، قلت: من الممتنع جداً أن يقع نسخ في مثل هذا الحكم ولا يطلع عليه جمهور الصحابة ويختص به ابن مسعود ثم يكتفي من تبليغه مع اشتهار الرفع والإطباق عليه بما وقع في القصة على فرض ثبوتها.
فإن قيل فهل من شيء غير هذا؟ قلت: ذكر بعض أهل العلم أنه كما أن ابن مسعود طبق وأخبر بالتطبيق وأمر به، وقد تبين أن ذلك كان في أول الإسلام ثم نسخ، واتفق الناس على ترك التطبيق، وكما قال إن موقف إمام الاثنين بينهما وخالفه الناس في ذلك واعتذروا باحتمال أن يكون رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك في بيت ضيق، فكذلك حاله في عدم الرفع إن ثبت عنه، قد يكون الرفع في غير أول الصلاة لم يشرع منذ شرعت الصلاة، فرأى ابن مسعود النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول الإسلام يصلى ولا يرفع إلا في أول الصلاة فأخذ ابن مسعود بذلك كما أخذ بالتطبيق والموقف، وإن كان كل ذلك كان أولاً ثم ترك، وقد يكون رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك الرفع في بعض الصلوات لبيان أنه ليس بواجب فأخذ ابن مسعود بذلك.
فإن قيل: قضية الموقف قريبة لأن غالب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الجماعة بأكثر من اثنين فأما قضيتا التطبيق والرفع ففيما ذكر بعد.
قلت: قد فتح الله تعالى وله الحمد بوجه يقرب الأمر في الثلاث كلها وهو أن يقال كأنه كان من رأي ابن مسعود أن النسخ لا يثبت بالترك وحده بل يبقى الأول