وأسند ابن البر ص ١٥٧ من طريق أبي يعقوب المكي عن عثمان بن زائدة قال: كنت عند أبي حنيفة فقال له: ما قولك في الشرب في قدح أوكأس في بعض جوانبها فضة؟ فقال: لا بأس به، فقال عثمان: فقلت له: ما الحجة في ذلك؟ فقال: أما ورد النهي عن الشرب في إناء الفضة والذهب، فما كان غير الذهب والفضة فلا بأس بما كان فيهما منهما، ثم قال: يا عثمان ما تقول في رجل مر على نهر وقد أصابه عطش وليس معه إناء فاغترف الماء من الخهر فشربه بكفه وفي أصبعه خاتم- أي فضة- فقلت: لا بأس بذلك. قال: كذلك. قال عثمان: فما رأيت أحضر جواباً منه.
ونحن بدورنا نحمد الله تعالى على التحلل من هذا القياس من تلك العقلية الجبارة قياس جواز الشرب في إناء مضبب بذهب أو فضة قد تكون الضبة أكثر حجم الأناء، وأظهره وأكثره على جواز الشرب باليد فيها الخاتم، وأقل الناس تفكيراً يدرك الفرق بين يد فيها خاتم فضة يأكل ويشرب بها، أن ذلك ليس استعمالا لآنية فضة، وبين إناء ضبب أو خلط فيه الذهب بغيره سبكا، وليتهنَّ الذين يشربون ويأكلون في أواني الذهب والفضة بما أضيف سبكا إليها من نحاس قليل للصلابة والقوة أنهم يستعملون ما يباح، كالاغتراف بيد فيها خاتم فضة، أما من ليس لهم هذه العقول الجبارة فيحمدون الله تعالى على نعمته عليهم بعدم هذه العقول الجبارة التي أباحت لهم هذه الأواني المنهي عنها.
وأسند ص ١٥٤: عنِ المذكور بسنده إلى علي بن المديني يقول: حدثت أن رجلا من القواد تزوج امرأة سراً فولدت منه، ثم جحدها، فحاكمته إلى ابن أبي ليلى، فقال لها: هات بينة على النكاح، فقالت: إنما تزوجني على أن الله عز وجل الولي، والشاهدان الملكان، فقال لها: اذهبي وطردها فأتت المرأة أبا حنيفة مستغيثة، فذكرت له، فقال: لها ارجعي الى ابن أبي ليلى فقولي له: إني قد وجدت بينة، فإذا هو دعا به ليشهد عليه، قولي: أصلح الله القاضي، يقول هو كافر بالولي والشاهدين، فقال له ابن أبي ليلى ذلك فنكل ولم يستطع أن يقول ذلك، وأقر بالتزويج (التزوج) فألزمه المهر وألحق به الولد اهـ
أقول: إذا تجاوزنا ما صيغت به الحكاية للاشادة بذكاء أبي حنيفة وفطنته وإنقاذه