للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لحرج الموقف، ونفع هذه الخدن الموطؤوة سراً بلا وليٍ ولا شهود ولا مهر حتى حملت ووضعت. إذا تجاوزنا عن هذا كله فالعجب من تصوير الحكاية بحيث يخفى على قاضي الكوفة ابن أبي ليلى أن النكاح باطل ولو اعترف به الواطىء المتخذ خِدْناً لخلوه من ولي وشاهدين شرطتها الأحاديث وظاهر القرآن، كحديث: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) (١) ، (والسلطان ولي من لا ولي له) (٢) ، وحديث: (البغي أو العاهر هي التي تزوج نفسها) (٣) ، وحديث: (البكر تُستأذن والأيم تُستأمر) (٤) وقول الله تعالى: "وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا

بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ" (٥) فخاطب الأولياء بالنهي عن العضل لأنهم هم الذين بيدهم أمر إبرام النكاح وعقده.

وما أدري ماذا كانت فائدة هذه الحيلة إذا كان الواطىء المخادن لبقاً فاجاب القاضي: اني أومن بالله وملائكته، ولكن الله تعالى لم يشرع نكاحاً ليس فيه وليّ ولا شهود من الآدميين وجحد وطء المرأة، أفما كان عليها الرجم أو على الأقل التعزير.

ثم الذين يقولون بمقتضى هذه الحكاية هل لنا أن يسألهم عن الفرق بين هذا النكاح المدعى صحته، وبن سفاح المخادنة السري وما يسمى في هذا العصر بخادمة السرير (كمريره) وقصة الخليعة انجريد السويدية وولادتها ولداً من سفاح ومن عشيق طلياني اعترف بولدها منه وأمثالها كثير، وكثير لا يحصى، تذكره الصحف الناشرة للخلاعة عن الأفرنج ومن سار على منهجهم في الفسوق والفجور. هل هناك فرق ديني من كتاب أو سنة بيئ هذه الأنواع من الفسق والفجور والمخادنة، وبن هذا النكاح الذي صورته الحكاية صحيحاً عن أبي حنيفة وألزم به القاضي بزعمه، وساقوا حكايته


(١) رواه البيهقي بإسنادٍ صحيح كما قال الذهبي فيما نقله المناوي في "فيض القدير" و "التيسير لشرح الجامع الصغير" و"صحيح الجامع الصغير" ٧٤٣٣.
(٢) هو طرف من حديث أوّله: "أيُّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها ... " أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما، وحسَّنه الترمذي؛ وصحّحه ابن حبان كما قال المناوي.
(٣) أخرجه الترمذي بنحوه وقال: والموقوف أصح.
(٤) رواه مسلم انظر "مختصر مسلم" رقم ٨٠٢.
(٥) سورة البقرة: ٢٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>