الأول: قوله أنه كان يعادي أبا حنيفة الأستاذ أن يجعلها عداوة دنيوية لأجل الفتوى مع أن ذكر الفتوى لم يقع إلا في رواية ذكرت في (تاريخ بغداد)(١٣ / ٣٨٤) في سندها يزيد بن يوسف الشامي فتكلم الأستاذ فيها ص ٧٠:
قال «يزيد بن يوسف الشامي يقول ابن معين فيه: ليس بثقة، ويقول النسائي: متروك» والكلام فيه أكثر من ذلك حتى قال ابن شاهين في الضعفاء «قال ابن معين: كان كذاباً» وقال ابن حبان: «كان سيئ الحفظ كثير الوهم يرفع المراسيل ويسند الموقوف ولا يفهم فلما كثر ذلك منه سقط الاحتجاج بأفراده» .
فهذه الرواية ساقطة، والثابت رواية أخرى في (تاريخ بغداد)(١٣/ ٣٨٤) فيها عن أبي إسحاق «قتل أخي مع إبراهيم الفاطمي بالبصرة فركبت لأنظر في تركته، فلقيت أبا حنيفة فقال لي من أين أقبلت؟ وأين أردت؟ فأخبرته أني أقبلت من المصيصة وأردت أخاً لي قتل مع إبراهيم، فقال أبو حنيفة: لو أنك قتلت مع أخيك كان خيراً لك من المكان الذي جئت منه ... » .
وهناك رواية ثالثة في (تقدمة الجرح والتعديل) هي التي وقع فيها ما أشار إليه الأستاذ من إطلاق اللسان وفي إسنادها نظر، ولا ذكر فيها للفتوى، ولو صحت لكانت أدل على عدم الفتوى، فالحاصل أن الثابت أن أبا إسحاق بلغه قتل أخيه مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن الخارج على المنصور فقدم أبا حنيفة، فسأله أبو حنيفة فأجابه أنه جاء من المصيصة - الثغر الذي كان أبو إسحاق يرابط فيه لجهاد الروم ودفعهم عن بلاد الإسلام فقال أبو حنيفة:«لو أنك قتلت مع أخيك كان خيراً لك من المكان الذي جئت منه» . ومن المعلوم أن أبا إسحاق حبس نفسه غالب عمره على المرابطة في الثغر والتعرض للشهادة صباح مساء فلم يكن ليغمه قتل أخيه إلا لكونه في فتنة ولا لينقم على من رضي بقتل أخيه إلا لرضاه بما يراه