الصحابة بأسانيد جيدة قد صححوا نظائرها. وجاء من رواية آخرين بأسانيد نصلح للاستشهاد، (١) وجاء من مرسل عدة من التابعين، وكان عليه عمل أهل الحجاز لا يعرف عندهم خلافه.
فإن قيل: فقد قلت في حديث ابن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس في قطع يد السارق في ثمن المجن ما قلت.
قلت: ذاك خبر اضطرب فيه ابن إسحاق أشد أضطراب، وابن إسحاق في حفظه شيء، وجاءت أدلة تقضي بأنه من قول عطاء، لا من روايته عن ابن عباس كما تقدم تفصيله في المسألة السابقة، وليس الأمر ههنا كذلك، ولا قريباً من ذلك. وقد تجتمع عدة أمور يقدح مجموعها في صحة الحديث، ومنها ما لو انفرد لم يضر.
وأما مخالفته لظاهر القرآن كما قد يشير إليه صنيع البخاري في (صحيحه) فكم من حديث صححه هو وغيره وهو مخالف لظاهر القرآن كحديث المنع من الجمع بين المرآة وعمتها أو خالتها، وحديث النهي عن أكل كل ذي ناب أو مخلب، وحديث النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية، وغير ذلك. وكم من دلالة ظاهرة من القرآن خالفها الحنفية أنفسهم، وقد تقدم شيء من ذلك في المسألة الثانية عشر، وذكر ابن حجر في (الفتح) أمثلة من ذلك، وبسط الشافعي كلام في (الأم) ج ٧ ص ٦ - ٣١ ومع ذلك فمخالفة حديث القضاء بشاهد ويمين لظاهر القرآن مدفوعة كما ستراه.
قال الله تبارك وتعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ» إلى أن قال: «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ