ويا ليت شعري هل كان أبو حنيفة أعلم وأهدى من أهل قباء من الصحابة؟
الذين تحولوا في صلاتهم عن قبلة كانوا عليها متيقنين بها، لما أخبرهم مخبر ثقة أنه صلى مع رسول الله إلى الكعبة، فتحولوا كما هم ولا أدري هل كان عمال الزكاة الذين يذهبون لجبايتها وجمعها من سائر القبائل معهم إجماع أو دلالة من كتاب الله على أنهم رسُل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم لأخذ زكاة أموالهم، ومن امتنع منهم عن أدائها إليهم كان
يرسل إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من يؤدبه ويخضعه لأدائها وإلا قاتله. فأين الكتاب والاجماع الذي مع هؤلاء العمال سوى صدقهم وأمانتهم؟، وعامله بخيبر لما بعث إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من يتسلم منه شيئاً من التمر بأمارة (١) يعرفها الوكيل فلم يحتج مع هذا إلى دلالة كتاب أو اجماع، وهكذا رُسُلُ رسول الله إلى القبائل والملوك هرقل وكسرى والمقوقس والنجاشي، يذهب إليهم رسول واحد معه رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويلقيها إليه من غير دلالة من كتاب ولا إجماع، تشهد له أنه رسولُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوى صدقه وثقته، إلى آخر ما طفحت به السّنة والسيرة وعمل الصحابة والتابعين، فتبين من هذا أنه أصَّل له أصلا انفرد به عن سائر المسلمن. فلماذا؟ ألا يغضب الثوري وابن عيينة ومالك من ذلك وحق لهم أن يغضبوا. وأما عدم جعله الطاعات وأعمال البر من الإيمان فالذين جعلوها من الإيمان أفقه بمعرفة نصوص الكتاب والسنة من أبي حنيفة خصوصاً وهم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتابعوهم باحسان وأعرف الناس بدينهم كمالك والثوري وابن عيينة والشافعي وأحمد ومن سلك سبيلهم، وهم أبعد الناس عن الاعتزال والخروج والحرورية عن بينة وعلم وبصيرة، فليسوا منحازين إلى الاعتزال ولا الخروج، والحرورية كما رماهم بذلك محب أبي حنيفة أو مجنونه أنهم إذا جعلوا العمل من الايمان كانوا منحازين إلى الاعتزال والخروج شاعرين أو غير شاعرين.
وكذب مجنون أبي حنيفة وافترى، فما منهم منحاز إلى الاعتزال والخوارج وإنما قالوا اتباعاً للكتاب والسنة والفطرة السليمة والعقل من أن إيمان السكير العربيد لا أن يكون كايمان جبريل وميكائيل إلخ. ولا أن إيمان آخر من يخرج من النار يكون كايمان الرسل وأولي العزم، حاشا ذا عقل أن يقول بهذا.