فيهم كلاما. ومحل التوسع أن الشيخين إنما يخرجان لمن فيه كلام في مواضع معروفة.
أحدها: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذاك الكلام لا يضره في روايته البتة، كما أخرج البخاري لعكرمة.
الثاني: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذاك الكلام إنما يقتضي أنه لا يصلح للاحتجاج به وحده، ويريان أنه يصلح لأن يحتج به مقرونا أو حيث تابعه غيره ونحو ذلك.
ثالثها: أن يريا أن الضعف الذي في الرجل خاص بروايته عن فلان من شيوخه، أو برواية فلان عنه، أو بما يسمع منه غير كتابه، أو بما سمع منه بعد اختلاطه، أو بما جاء عنه عنعنة وهو مدلس ولم يأت عنه من وجه آخر ما يدفع ريبة التدليس. فيخرجان للرجل حيث يصلح ولا يخرجان له حيث لا يصلح. وقصر الحاكم في مراعاة هذا وزاد فأخرج في مواضع لمن لم يخرجا ولا أحدهما له بناء على أنه نظير من قد أخرجا له، فلو قيل له: كيف أخرجت لهذا وهو متكلم فيه؟ لعله يجيب بأنهما قد أخرجا لفلان وفيه كلام قريب من الكلام في هذا ولو وفى بهذا لهان الخطب، لكنه لم يف به بل أخرج لجماعة هلكى.
الخامس: أنه شرع في تأليف (المستدرك) بعد أن بلغ عمره اثنتين وسبعين سنة وقد ضعفت ذاكرته كما تقدم عنه وكان فيما يظهر تحت يده كتب أخرى يصنفها مع (المستدرك) وقد استشعر قرب أجله فهو حريص على إتمام (المستدرك) وتلك المصنفات قبل موته، فقد يتوهم في الرجل يقع في السند أنهما أخرجا له، أو أنه فلان الذي أخرجا له، والواقع أنه رجل آخر، أو أنه لم يخرج أو نحو ذلك، وقد رأيت له في (المستدرك) عدة أوهام من هذا القبيل يجزم بها فيقول في الرجل: قد أخرج له مسلم، مثلا، مع أن مسلما إنما أخرج لرجل آخر شبيه اسمه، يقول في الرجل: فلان الواقع في السند هو فلان بن فلان. والصواب أنه غيره.
لكنه مع هذا كله لم يقع خلل ما في روايته لأنه إنما كان ينقل من أصوله المضبوطة، وإنما وقع الخلل في أحكامه ن فكل حديث في (المستدرك) فقد سمعه