وقع فيه الاشتباه والاختلاف، ولم يقل أحد في شيء من ذلك أنه مجمل، بل منهم من يقول بمقتضى الإطلاق، ومنهم من يذهب إلى الغالب أو الأوسط، ومنهم من يختار الأكمل فيمكن الأخذ بمعنى الإطلاق في القلتين فيؤول ذلك إلى تحقيق المقدار بما يملأ قلتين أصغر ما يكون من القلال ولا يخدش في ذلك أنه قد يكون مقدار قلة كبيرة أو نصفها مثلاً كما قد يأتي نحو ذلك في كسوة المساكين على القول بأنه يكفى ما يسمى كسوة المساكين. ويمكن الأخذ بالأحوط كما فعل الشافعي وغيره، ولا ريب أن ما بلغ قلتين من أكبر القلال المعهودة حينئذ وزاد على ذلك داخل في الحكم منطوق الحديث حتماً على كل تقدير، وهو أنه لا ينجس، وأن ما لم يبلغ قلتين من أصغر القلال المعهود حينئذ داخل في الحكم مفهوم الحديث حتماً، وهو أنه ينجس، فلا يتوهم في الحديث إجمال بالنظر إلى هذين المقدارين وإنما يبقى الشك في ما بينهما فيؤخذ فيه بالاحتياط.
وقال ابن التركماني في (الجوهر النقي) : «وقد اختلف في تفسير القلتين اختلافاً شديداً كما ترى، ففسرتا بخمس قرب، وبأربع، وبأربعة وستين رطلا، وباثنين وثلاثين رطلا، وبالجرتين مطلقا، وبالجرتين بقيد الكبر وبالخابيتين، والخابية: الحُبَّ، فظهر بهذا جهالة مقدار القلتين فتعذر العمل بها» .
أقول: أما الاختلاف في تفسير القلة بمقتضى اللغة فمن تأمل كلام أهل اللغة وموارد الاستعمال وتفسير المحدثين السابقين ظهر له أن القلة هي الجرة، وإنما جاء قيد الكبر من جهتين: الأولى: تفسير أهل الغريب لما ورد في الحديث في ذكر سدرة المنتهى «فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة» وقلال هجر مشهورة بالكبر، وتفخم شأن السدرة يقتضي الكبر.
الثانية: تفسير المحتاطين لحديث القلتين، وفي (سنن البيهقي) ج١ص٢٦٤ عن مجاهد تفسير القلتين بالجرتين ونحوه عن وكيع ويحيى بن آدم، وعن ابن إسحاق:«هذه الجرار التي يستقى فيها الماء والدواريق» وعن هشيم: «الجرتين الكبار» وعن