الأمر الثاني: هب أنه سلم للطحاوي ما ادعاه من الإجماع، فقد علمنا أن ظاهر القرآن وجوب القطع على كل سارق، وظاهر القرآن حجة قطعاً، ويوافقه حديث (الصحيحين) : «لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده» ، وهذه الحجة لا يجوز الخروج عنها إلا بحجة، فإن لا يثبت من السنة ما يوجب إخراج شيء من ذاك العموم رجعنا إلى الإجماع فإن كان هناك إجماع على خروج شيء، فأما ما أختلف فيه فقيل بخروجه وقيل ببقائه فهو باق على ظاهر القرآن، لأن القائلين بخروجه بعض الأمة، وليس في قول بعض الأمة حجة يترك بها ظاهر القرآن.
فإن قيل: فقد أختلف النظار في العام الذي قد خص، فقال بعضهم: إنه لا يبقى حجة في الباقي.
قلت: هذا قول مخالف لإجماع السلف، وقد رغب عنه الحنفية أنفسهم، وتمام الكلام في رده في أصول الفقه.
الأمر الثالث: هب أنه قويت دعوى الإجماع، وقوي ما يترتب على ذلك من دعوى أن الآية صارت مجملة، ففي السنة الثابتة ما يكفي، فقد صح حديث ابن عمر، واندفع ما عورض به، وصح حديث عائشة، وبطلت دعوى اضطرابية، فثبت القطع في ثلاثة دراهم وفي ربع دينار، وبقي النظر فيما هو أقل من ذلك، وليس هذا موضع البحث فيه.
ثم ذكر الطحاوي خبر المسعودي عن القاسم عن أبن مسعود:«لا تقطع اليد إلا في دينار أو عشرة دراهم» ورواه بعضهم عن المسعودي عن القاسم عن أبيه والمسعودي أختلط. ثم هو منقطع لأن القاسم لم يدرك أبن مسعود، وكذلك أبوه عبد الرحمن نفى جماعة سماعة من ابن مسعود، وأثبت بعضهم سماعة منه لأحرف معدودة ذكرها أبن حجر في (طبقات المدلسين) ص ١٣، ثم قال: «فعلى هذا يكون الذي صرح فيه بالسماع من أبيه (أبن مسعود) أربعة أحدها، موقوف وحديثه