للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخطاوا فلهم أجر الاجتهاد، وبرفع عنهم وزر الخطأ، لذلك كف عن ذكر المنقول عنهم في ذلك، لهذا ولعلمه بما جاء في الحديث الصحيح الذي فيه (إن الله يجمع المؤمنين على قنطرة على الصراط قبل دخول الجنة، ويصفي ما بينهم من خلاف وتبعات، يتبعها العفو والتسامح والصفا، ولا يدخلون الجنة إلا وقد نُقُّوا وهُذِّبوا مما كان بينهم) ، (١) لذلك سكت الشيخ اليماني عن ذكر ما كان من معاصري أبي حنيفة من طعن أو جرح، فإن كان الإمام سفيان الثوري قد قال في أبي حنيفة أنه ضال مضل، لما بلغه عنه من القول بخلق القرآن الذي يدافع الكوثري عنه فيه، اخترعه من فلسفة دال ومدلول وحقيقة ومجاز مما يخرج منه أنه ليس لله تعالى بيننا كلام نسمعه من القارىء أو نقرؤه في المصحف، وإنما ذلك دال ومجاز عن كلام الله تعالى، فإذا كان الثوري لم يفهم هذه الفلسفة واشتد كلامه في أبي حنيفة مجتهداً في ذلك، أصاب أو أخطا، فهو مأجور على كلا الحالين، والموعد عند الله يوم القيامة وعلى قنطرة الصفاء قبل دخول الجنة يصفى ما بينهما، واليماني أحسن كل الإحسان بالسكوت عن تلك المتون التي هزت أعصاب الكوثري، فلم يشأ أن جهزها مراراً وتكراراً، أو يهز أعصاب غيره بلا داع.

فإذا أراد محب أبي حنيفة- ولا أقول مجنونه على حد تعبير بعضهم- أن نذكر له هذه المتون فسأذكرها له من تاريخ الخطيب بل من الانتقاء لحافظ المغرب ومحدث الأندلس أبي عمر ابن عبد البر رحمه الله تعالى.

وليخلع غليَّ الكوثري ما شاء من ألقاب النذالة والبهت في كتاب يعرضه في سوق الوراقين ويجود عليه بنفقات طبعه بعض أهل السخاء، ويكون لي من وراء ذلك ربح صَرْف الكوثري عن الخوض في أعراض خيار خلق الله تعالى.

أما ما سيفيضه عليَّ الكوثري من سبابٍ وشتائم فهي رخيصة عندي في مقابل ما أربحه من صرفه عن هذه الأعراض الطيبة، وأكتفي بمعرفة من يصلي ورائي مقتدين بي في المسجد الحرام جمعة وعيداً وجماعة، ومعرفة من يخالطني في دروسي وأحوالي.


(١) أخرجه البخاري في "المظالم" من صحيحه.

<<  <  ج: ص:  >  >>