فان قيل يكفي في التعليل أن مظنة التهمة ولا يضر تخلفها في بعض الأفراد كما قالوا في قصر الصلاة في السفر أنه لأجل المشقة وإن تخلفت المشقة في بعض المسافرين كالملك المترفه، قلت: العلة في قصر الصلاة هي السفر بشرطه لا المشقة فكذلك تكون العلة في رد الشهادة للنفس هي أنها شهادة للنفس أو دعوى كما يومئ إليه حديث «لو يعطي الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ... »(١)
فعلى هذا لا يتأتى القياس، ألا ترى أن في أعمال العمال المقيمين ما مشقته أشد من مشقة السفر العادي، ذلك كالعمل في المناجم ونحوها ومع ذلك ليس لهم أن يقصروا الصلاة. فإن قيل الشهادة للأصل والفرع مظنة للتهمة كما أن الشهادة مظنة لها، قلت فالعمل في المناجم مظنة للمشقة، بل المشقة فيه أشق وأغلب، والتهمة في الشهادة للأصل أو الفرع أضعف وأقل من التهمة في الشهادة للنفس، وقد يكون الرجل منفرداً عن أصله أو فرعه وبينهما عدواة.
والشافعي ممن يقول برد الشهادة للأصل والفرع ولم يعرج على التهمة ولكنه لما علم أن جماعة ممن قبله ذهبوا إلى الرد ولم يعلم لهم مخالفاً هاب أن يقول ما لا يعلم له فيه سلفاً، فحاول الاستدلال بما حاصله أن الفرع من الأصل فشهادة أحدهما للآخر كأنها شهادة لنفسه ثم قال كما في (الأم) ج ٧ ص ٤٢: «وهذا مما لا أعرف فيه خلافاً» كأنه ذكر هذا تقوية لذاك الاستدلال واعتذاراً عما فيه من الضعف، ولما علم بعض حذاق أصحابه كالمزني وأبي ثور أن هناك خلافاً ذهبوا إلى القبول. وليس المقصود هنا إبطال القول برد الشهادة للأصل والفرع والزوج وإنما المقصود أن الاستدلال عليه بقياس مبني على أن التهمة على غير مستقيم. فأما الشهادة على العدو فالقائلون أنها لا تقبل يخصون ذلك بالعداوة الدنيوية التي تبلغ أن يحزن لفرحه ويفرح لحزنه، فأما العداوة الدينية والدنيوية التي لم تبلغ
(١) أخرجه الشيخان في «صحيحيها» واللفظ لمسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً. ن