ذاك فلا تمنع من القبول عندهم. والمنقول عن أبي حنيفة كما في كتب أصحابه أن العداوة لا تقتضي رد الشهادة إلا أن تبلغ أن تسقط بها العدالة. أقول وإذا بلغت ذلك لم تقبل شهادة صاحبها حتى لعدوه على صديقه، ويقوي هذا القول أن القائلين بعدم القبول يشرطون أن تبلغ أن يحزن لفرحه ويفرح لحزنه وهذا يتمنى أن يفرح لذبح أطفاله ظلماً والزنا ببناته وارتداد زوجاته ونحو ذلك وقس على ذلك الحزن لفرحه وهذا مسقط للعدالة حتماً، فإن قيل قد يفرح بذلك من جهة أنه يحزن عدوه، ومع ذلك يحزن من جهة مخالفته للدين، قلت: إن لم يغلب حزنه فرحه فليس بعدل، وإن غلب فكيف يظن به أن يوقع نفسه في شهادة الزور التي هي من أكبر الكبائر وفيها أعظم الضرر على نفسه في دينه، ولا يأمن من أن يلحقه لأجلها ضرر شديد في دنياه، كل ذلك ليضر المشهود عليه في دنياه ضرراً قد يكون يسيراً كعشرة دراهم. وهبة صح الرد بالعدواة مع بقاء العدالة فالقائلون بذلك يشرطون أن تكون عداوة دنيوية تبلغ أن يحزن لفرحه ويفرح لحزنه وهذا لا يتأتى للأستاذ إثباته في أحد ممن يتهمهم لأنه إن ثبت انحرافهم عن أبي حنيفة وأصحابه وثبت أن ذلك الانحراف عداوة فهو عداوة دينية، وهب أنه ثبت في بعضهم أنها عداوة دنيوية فلا تأتي للأستاذ إثبات بلوغها ذاك الحد، أي أن يحزن لفرحه ويفرح لحزنه، وهبة بلغ فقد تقدم أن الرواية لا ترد بالعدواة.
هذا على فرض مجامعة ذلك للعدالة، وإلا فالرد لعدم العدالة.
وأما ما ذكره الشافعي في أصحاب العصبية فالشافعي إنما عنى العصبية لأجل النسب كما هو صريح في كلامه وذلك أمر دنيوي وكلامه ظاهر في أنها بشرطها تسقط العدالة، ولا ريب أنه إذا بلغت العصبية أو العداوة إسقاط العدالة لم تقبل لصاحبها شهادة ولا رواية ألبته سواء أكانت دنيوية أم مذهبية أم دينيه كمن يسرف في الحنق على الكفار فيتعدى على أهل الذمة، والأمان بالنهب والقتل ونحو ذلك، بل قد يكفر.