وكذلك لو تعاقد الولي والزوج بلفظ: "أنكحتك بنتي أو أختي" وقال الأخر:
قبلت. ثم اختلفا، فقال الولي: أردت "بأنكحتك " من تناكحت الأشجار تمايل
بعضها إلى بعض. "وبأختي" في الإسلام أو الانسانية، فأميلك اليها أو أميلها إليك
مرة على وجه المداعبة والتحل من العقد، وقال الأخر: فهمت من النكاح ما يعرفه
الناس جميعاً من عقد زوجية تحل بها المعاشرة والتمتع والاستيلاد والتوارث الخ ما
يبيحه عقد الزواج والنكاح.
فهل يحكم ذوو العقول الجبارة لالتواء الولي أو لصراحة المتزوج وهكذا؟ ولقد
أذكرتني هذه العقلية الجبارة ما استسخفه الغزالي في إحيائه مما نقل عن أهل الحيل أن
أحدهم يهب مائة لزوجته أو غيرها قبل الحول بيوم ثم يسترده منها بعده بيوم فتسقط
عنه الزكاة التي قاتل الصديق مانعيها، فهذا السخف والتلاعب بدين الله تعالى الذي
نفَر الناس من هذا الهزء فأنكروا ديناً يجىء بهذا التلاعب، وليتهم لا تبلغهم هذه
الحكاية عن أبي حنيفة مع المنصور، أو ليتهم إذا بلغتهم يكذبونها ولا يصدقون أن
ينسسب لإمام من المسلمين متبوع فيهم أن يصدرمنه مثل هذا الهراء.
كما أذكرني الاحتيال على استعمال مدهن الفضة بحيلة صبيانية ما كنت سمعته عن
حضور رهط من العلماء إلى مجلس بعض الخديوين أمير مصر أنهم زاروهُ وِصُبَّتْ لهم
القهو ة في فناجين تحمل على ظروف ذهبية، فلما اعتُرض على من شرب منهم في ذلك
أجاب أنه كان يرفع الفنجان الصيني بأصبعيه عن ظرفه الذهبي، فلم يكن بذلك
مستعملا لآنية الذهب.
فليت هذا التخلص يعرض على شاشة بيضاء لرواية هزلية مسلية للأطفال
والنساء، لا عبقرية علم نحرير يتقي الله تعالى في امتثال أوامره في تحريم أواني الذهب
والفضة، فلا يحتال عليها بأمثال هذه المضحكات.
هذا وستجد في الكتاب المذكور (انتقاء ابن عبد البر) مناقشات لقتادة وعطاء، ولما
نقل عن ابن عباس استدراكا عليه رأيت الإعراض عنها خيراً من الاشتغال بها،
وعناء مناقشتها، فالوقت أنفس من ذلك كله، والزمن يخطو خُطىً سريعة ونحن نيام
أو أموات.