الخامسة: فشّو الأمراض، فقد تحقق في الطب أن كثيراً من الأمراض إذا بال المبتلى بأحدها خرجت الجراثيم المرض مع البول فإن كان البول في ماء راكد بقيت تلك الجراثيم حتى تدخل في أجسام الناس الذين يستعملون ذاك الماء فيصابون بتلك الأمراض والإصابة بذلك أكثر جداً من الإصابة بالجذام للقرب من المجذوم وقد ثبت في الصحيح (فر من المجذوم كما تفر من الأسد) وكثير منها أشد ضرراً من جرب الإبل وقد ثبت في (الصحيح)«لا يردون ممرض على مصلح» ، وبهذا يبقى الحديث على عمومة ولا يحتاج الى إخراج عن ظاهرة بمجرد الاستنباط فأما حال الضرورة فمستثنى من اكثر النواهي. ثم إن تحقق بعض هذه العلل في ماء يصدق علية انه ليس براكد وجب أن يشمله الحكم، أما على قول من لا يعتد بمفهوم المخالفة كالحنفية فواضح، وأما على قول من يعتد به فيخص عمومه بالقياس الواضح ولا ريب إن الشرع لا يبيح إن يلقى في الماء الجاري ما يضر بالناس أو يؤذيهم، وعلى هذا قيل لو اعتبرنا العلل المذكورة واعتبرنا القياس لزم شمول المنع لكل ماء جار فيلزم اطراح المفهوم رأساً؛ قلت: بل تبقى مياه السيول ونحوها التي تمر بنفسها على مواضع النجاسة فلا يبقى وجهه لمنع الإنسان عن البول فيها على إن الذين يعتقدون بمفهوم المخالفة يشترطون ما لعلنا لو دققنا لَلَاح لنا أنه غير متحقق هنا، وفي القرآن عدة آيات لا يأخذون فيها بمفهوم المخالفة ويعتلون بوجوه إذا تدبرت وجدت بعضها وارداً هنا.
وأما حديث أبي هريرة فإن كان قوله:«ثم يغتسل منه» على معنى الخبر كما قدرة القرطبي قال: «كحديث لا يضرب أحدكم امرأته ثم يضاجعها» فالكلام فيه كما مر إلا أنه زاد بقولة: «ثم يغتسل منه» التنبيه على بعض العلل كأنه قال: كيف يبول فيه ثم لعله يحتاج إليه فيغتسل منه فيتنجس أو يتقذر أو يدع الاغتسال مع حاجته إليه؟ وإذا كان هو يستقذره لبوله فيه فغيره أولى بالاستقذار، والمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ولا يدفع هذا أن تكون هناك علة أخرى فإن النهي عام وقد