جاء مثله بدون هذا التنبيه وهو حديث جابر؛ وإن كان المعنى على النهي عن الجمع بين البول والاغتسال انصب النهي على الاغتسال بعد البول كأنه قيل: لا يغتسل في ماء دائم قد بال فيه؛ ويحتمل هذا النهي عللا إحداها التنجس، ثانيتها التقذر، ثالثتها إن يكون عقوبة للبائل لان الإنسان إذا علم أنه إن بال في الماء حضر علية الاغتسال منه كان مما يمنعه عن البول، وقريب منه حديث المرأة التي لعنت ناقتها فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتخلية الناقة كأنة جعل عقوبة المرأة على لعنها الناقة أن لا تنتفع بها لكي تزجر هي وغيرها عن اللعن، فأي واحدة من هذه العلل وجدت النهي وبذلك يساوق التعليل عموم النص؛ وإن كان المعنى: لا يبل في الماء الدائم فإن عصى فبال فلا يغتسل منه فآخره كما ذكر، وأوله كما مر في حديث جابر.
وأما القضية الثالثة فقد مر ما يعلم بها الجواب عنها، على أن الماء إذا كان دون القلتين بقليل وكان في حفرة ضيقة أو حوض بقدر قعدة الإنسان إلا أنه عميق أمكن الانغماس فيه لأنه إذا قعد ارتفع الماء من جوانب فيغمره، ومع ذلك فالاغتسال في الماء يصدق بأن يقعد وسطه ويغرف على نفسه، وفوق هذا كلمة «فيه» كأنها شاذة، والغالب في الروايات من ذلك الوجه وغيرة كلمة «منه» .
الحديث الثاني: النهى عن اغتسال الجنب فيه، وهو في (الصحيحين) عن أبي السائب «أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب فقال كيف يفعل يا أبا هريرة. قال: يتناوله تناولاً» .
قد يستدل به على أن الماء يصير باغتسال الجنب فيه نجساً أو غير مطهر، فأما النجاسة فرويت عن أبي حنيفة ثم رغب عن ذلك الحنفية أنفسهم وأما سلب التطهير فوافقهم عليه فيما دون القلتين الشافعية والحنابلة. ومن يأبي ذلك يقول إن علة النهى هي التقذير، وقد يحتمل غير ذلك من العلل تظهر بالتأمل فيساوق التعليل عموم النص. وأما التفرقة بين دائم والجاري فقد مر ما فيها، وكذا إن قيل: إن الحديث