قلت: هذا اللفظ مرجوح، والمحفوظ «تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً» اما في معناه كما يأتي بيانه ان شاء الله، وكأن من روى بلفظ:«لا تقطع ... » انما روى بالمعنى فصرح بمقتضى مفهوم المخالفة اذ تقرر هذا فلوصح عنها انها قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقطع اليد في ربع دينار» لوجب حمله على انها انما اخذته من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً» بناء على ان من شأنه - صلى الله عليه وسلم - ان يوافق فعله قوله، فإذا قال، «تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً» علم منه انه كان اذا رفع اليه في سرقة ربع دينار قطع، فإن لم يقع القطع بالفعل لعدم الرفع فهو واقع بالقوة.
والحق ان ذاك اللفظ «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقطع فير ربع دينار فصاعداً» لا يثبت عن عائشة، ولكن يمكن ان تكون تلك حال ابن عيينة سمع الحديث بلفظ «) تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً) فرواه تارة كذلك وذلك حين اعتنى بالحديث عنه تحديثه للحميدي كما مر، وتارة بلفظ «القطع في ربع دينار» ، وتارة «السارق اذا سرق ربع دينار قطع» وتارة: «قالت عائشة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقطع في ربع دينار فصاعداً» والثلاثة الأخيرة كلها من باب الرواية بالمعنى، اما الثاني والثالث فظاهر، واما الرابع فلما استقر في نفس ابن عيينة ان النبي - صلى الله عليه وسلم - اذا قال شيئاً فقد عمل به اوكأنه قد عمل به، وقد ذكر الطحاوي في (مشكل الآثار) ج ٢ ص ٢٧٠ حديثاً من طريق شجاع بن الوليد عن ابن شبرمة بسنده: قال رجل يا رسول الله أي الناس أحق مني بحسن الصحبة؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال أمك - ثلاث مرات. قال: ثم من؟ قال أبوك. ثم رواه من طريق ابن عيينة وفيه ذكر كلام الأم مرتين فقط ثم قال الطحاوي:«قد يحتمل أن يكون ابن عيينة ذهب عنه في ذلك ما حفظه شجاع لأن ابن عيينة كان يحدث من كتابه» وعَبَّرَ صاحب (لمعتصر) (ج ٢ ص