يرى معناه ما يزعمه الحنفية مما يخالف الكتاب والسنة الصحيحة، ولورأى أن ذلك معناه لأنكره فرده بذلك وبذاك الاختلاف والاضطراب (١) مع ذلك فعقبة بن أوس المتفرد به غير مشهور، وإنما وثقه من من عادته توثيق المجاهيل وإن كانوا مقلين إذا لم ير في حديثهم ما ينكره، وقد شرحت ذلك في الأمر الثامن من القاعدة السادسة من قسم القواعد. ولورأوا أن معنى هذا الحديث ما يزعمه الحنفية لما أثنوا على عقبة، بل لعلهم يجرحونه بمقتضى قاعدتهم في جرح المتفرد بالمنكر، ولا سيما إذا كان مقلاً غير مشهور. والحنفية يردون الأحاديث الصحيحة الصريحة التي لا مطعن في أسانيدها البتة بدعوى مخالفتها للقرآن حيث لا مخالفة كما مر في المسألة السابعة، وكما يأتي في مسألة الخامسة عشرة، فكيف يسوغ لهم أن يتشبثوا بهذا الحديث مع ما في سنده من الاختلال ومع وضوح مخالفة معناه الذي يعتمدونه للقرآن. فإن قيل: وهل يحتمل معنى آخر؟ قلت نعم، وبيان ذلك أن من القتل ما يتبين فيه أن القاتل قصد القتل، كالصور التي تقدم التمثيل بها من فضح الرأس وما معه ونحو ذلك وما يقرب منه. ومنه ما يتردد فيه أقصد أم لم يقصد كمن أغضبه رفيقه وكان
(١) قلت: بل الحديث صحيح السند كما قال الكوثري، والاضطراب الذي ذكره المصنف رحمه الله هو من الاضطراب الذي لا يؤثر في صحة الحديث، فقد ذكرت في «الارواء» رقم (٢٢٥٩) أشهر وجوه الاضطراب فيه، ثم قابلت بينها على ما يقتضيه علم المصطلح والجرح والتعديل، فتبين لي أنها غير متماثلة في القوة وعدد رواة كل وجه، وأن أرجحها رواية من رواه عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أو س عن عبد الله بن عمرو، وعلى ذلك حكمت عليه بالصحة، لأن رجاله كلهم ثقات، وعقبة بن أو س قد وثقه ابن سعدوالعجلي وابن حبان، وهؤلاء وإن كانوا متساهلين في التوثيق كما أشار إليه المصنف، فاتفاقهم عليه، مع عدم توجه أي انتقاد عليه، بل قبله الحفاظ من بعدهم ولم يردوه، مثل الحافظ ابن حجر فقال في «التقريب» : «صدوق» . زد على ذلك أن من جملة من خرج الحديث ابن الجارود في كتابه «المنتقى» رقم (٧٧٣) ، وذلك منه توثيق لرجاله كما لا يخفى. ولذلك فالاعتماد في الرد على الحنفية في استدلا لهم بهذا الحديث على ما زعموا، إنما هو على المعنى الآخر الذي أوضحه المؤلف جزاه الله خيراً.