ما جاء عن أبي حنيفة في كتاب "مشكل الحديث" لابن قتيبة ليخرج لنا تأنيبا ثالثا لابن قتيبة، ثم ما جاء في تواريخ البخاري الثلاثة، والضعفاء له، والضعفاء والمتروكين للنسائي، وتاريخ ابن أبي خيثمة، والساجي والخلال وما جاء في كتاب الحج للترمذي في باب إشعار الأبل، وما جاء في المحلى لابن حزم في كتاب الحج وغيره؛ وما جاء في الانتقاء لابن عبد البر وغيرها وغيرها، لنسمع طرائف من العلم ما كنا لنسمعها، لو لم نثر هذا الكاتب اللوذعي ونهيجه بنقل ما سجله التاريخ من كلام معاصري أبي حنيفة فيه، والحَكَم بينهم هو الله يوم القيامة.
[دعوة الكوثري للمباهلة]
وإن عودة الكوثري إلى رمي المؤمنين بالله وبما جاء من صفاته في القرآن والسنة، أنهم محددون لله ويصفونه بالجلوس والمس والحركة، وتجويز استوائه على ظهر بعوضة، إلى آخر ما هذى به. سبق الكلام على هذا البهتان وأجبنا عن ذلك الهراء ودعوناه إلى المباهلة ليحكم الله بيننا وبينه، أننا نؤمن بالله على الوجه الذي أخبر به عن نفسه وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم، مع التنزيه ونفي التشبيه، ولا تلزمنا لوازم النفاة الجعدية الجهمية المريسية، ونقول لمن يلزمنا إياها: سبحانك هذا بهتان عظيم.
فإن شاء أن يباهل على ذلك، باهلته أنا أمام بيت الله تعالى وقت السحر وليتخير له ما شاء من ضريح أو معبد أو وثن أو مشهد وكفى بالله شهيداً، ونمر على ما وصف به خيار خلق الله، الذين يؤمنون بصفات الله تعالى كما أخبر بها بأنهم أهل الضلال الأغبياء والطغام، نمر على ذلك مر الكرام، كذلك ما وصف به الكوثري الخطيب لروايته ما جاء عن الأولين في تاريخه عن أبي حنيفة بأنه سخيف من سخفاء الرواة، ونعرض عن تناقضه إذا أراد تكذيب هشام بن عروة، فحينئذ يكون الحطيئة ثقة معتمداً عنده، ولسنا نعجب أن يكون الحاكم عند الكوثري بالغ التخليط من أجل أنه روى في مستدركه الذي قيل إنه كان مسودة لم يبيض فوقع فيه عدة أحاديث قابلة للتمحيص لو أمهلته المنية لأعاد النظر فيه، والعلماء قبلوا الحاكم عالماً راوياً وناقداً للرجال، ونقلوا أقواله في ذلك واعتمدوا إلا عند الكوثري في القرن الرابع عشر لنقله ما قيل في أبي حنيفة.