يكفيني ذلك كله ولا أحتاج أن أقول مع ذلك متمثلا بقول الأول:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني كامل (١)
وأتمثل بقول الأخر:
إذا رضيت عني كرام عشيرتي ... فلا زال غضباناً عليَّ لئامها
وسأشرع في نقل ما أريد نقله من كتاب ابن عبد البر للغرض الذي شرحت آنفاً، مع إيماني بأن ما جرى من معاصري أبي حنيفة ومنه ليس بأشد مما جرى بين الصحابة، والكل مؤمنون وخلافهم عن اجتهاد يؤجر فيه أجرين والمخطىء أجراً
واحداً إن شاء الله تعالى. ولا نكابر كالكوثري فندعي توتراً لا واقع له، ليكذب به الواقع الذي كاد يتواتر.
قال ابن عبد البر حافظ المغرب: ونبدأ بما طعن عليه، لرده بما أَصَّلَهُ لنفسه في الفقه. صرد بذلك أخبار الآحاد الثقات، إذا لم يكن في كتاب الله تعالى، وما أجمعت الأمة عليه، دليل على ذلك الخبر، وسماه: الخبر الشاذ وطرحه، وكان مع ذلك لا
يرى الطاعات وأعمال البر من الإيمان، فعابه بذلك أهل الحديث إهـ.
فهذا كلام ابن عبد البر في أبي حنيفة، ورأيه فيه: أنه ردّ أخبار الثقات بما أصله لنفسه لا تابعاً في ذلك لأحد من السلف في اشتراط دلالة الكتاب والاجماع، ولا مستنداً في هذا الرد إلى معارضة كتاب أو صحيح من السنة أو إجماع إلخ. أقول معارضة ولا أقول باشتراط دليل من الكتاب لما يقبله من أخبار الثقات، فيطرح منها بزعمه ما لا دليل عليه بفهمه ويسميه شاذاً، فمن ذا الذي شرط في خبر الثقات هذا الشرط الباطل من سلف الأمة وأئمتها سوى أبا حنيفة فيما يقبله ويرفضه؟
(١) البيت للمتنبي من قصيدته التي مطلعها: لك يا منازل في القلوب منازل ...