كانت المعتزلة تقول: إن الله منَزَّه عن الأعراض والأبعاض والحوادث والحدود، ومقصودهم نفيُ الصفات ونفيُ الأفعال، ونفي مباينته للخلق وعلوه على العرش، وكانوا يعبِّرون عن مذاهب أهل الإثبات أهل السنة بالعبارات المجملة التي تشعر الناس بفساد المذهب، فإنهم إذا قالوا: إن الله منزه عن الأعراض لم يكن في ظاهر هذه العبارة ما ينكر، لأن الناس يفهمون من ذلك أنه منزه عن الاستحالة والفساد، كالأعراض التى تعرض لبني آدم من الأمراض والأسقام، ولا ريب أن الله منزَّه عن ذلك، ولكن مقصودهم أنه ليس له علم ولا قدرة ولا حياة ولا كلام قائم به، ولا غير ذلك من الصفات التي يسمونها هم أعراضاً. وكذلك إذا قالوا: إن الله منزَّه عن الحدود والأحياز والجهات، أوهموا الناس أن مقصودهم بذلك أنه لا تحصره المخلوقات، ولا تحوزه المصنوعات، وهذا المعنى صحيح، ومقصودهم أنه ليس مبايناً للخلق ولا منفصلاً عنه، وأنه ليس فوق السماوات رب ولا على العرش إله، وأن محمداً لم يعرج به إليه، ولم ينزل منه شيء، ولا يصعد إليه شيء، ولا يتقرب إليه شيء، ولا يتقرب إلى شيء، ولا ترفع إليه الأيدي في الدعاء ولا غيره، ونحو ذلك من معاني الجهمية. وإذا قالوا: إنه ليس بجسم أوهموا أنه ليس من جنس المخلوقات، ولا مثل أبدان الخلق، وهذا المعنى صحيح، ولكن مقصودهم بذلك أنه لا يرى ولا يتكلم بنفسه، ولا تقوم به صفة، ولا هو مباين للخلق وأمثال ذلك. وإذا قالوا: لا
(*) إن هذا الفصل كتبه أستاذنا البيطار في كتابه القيم "حياة شيخ الإسلام ابن تيمية" نقلناه هنا لارتباطه بالموضوع.