وفي الباب أحاديث أخرى ومراسيل ومقاطيع عند الدارقطني والبيهقي وغيرهما، والحديث أشهر من كثير من الأحاديث التي يدعي لها الحنفية الشهرة، ويحتجون بها على خلاف القرآن والسنن المتواترة.
وأما قول الأستاذ:«مع عدم ظهور دلالته على التنازع فيه» . فيشير به إلى تأويلات أصحابه، فمنها زعم بعضهم في حديث مسلم:«قضى بيمين وشاهد» أن المعنى قضى بيمين حيث لا شاهدين، وقضى بشاهد حيث وجد الشهود، والمراد بـ (شاهد) الجنس وهذا التأويل كما ترى!
أولاً: لأنه خلاف الظاهر.
ثانياً: لأنه يجعل الكلام لا فائدة له، فإن لا يخفى على أحد أنه يقضى باليمين حيث لا بينة، ويقضى بالشاهدين حيث وجدا.
ثالثاً: حمل شاهد على الجنس ثم إخراج الواحد منه لا يخفى حاله.
رابعاً: هذا اللفظ رواية زيد بن الحباب عن سيف. وقد رواه عبد الله بن الحارث بن عبد الملك المخزومي عن سيف، فقال:«قضى باليمين مع الشاهد» . رواه الإمامان الشافعي وأحمد عن عبد الله بن الحارث كما في (الأم) ج ٦ ص ٢٧٣ و (مسند أحمد) ج ١ ص ٣٢٣ وزاد في رواية الشافعي: «قال عمرو: في الأموال» . وفي رواية أحمد:«قال عمرو: إنما ذاك في الأموال» . وعبد الله بن الحارث كأنه أثبت من زيد بن الحباب، فإن زيداً قد وصف بأنه يخطئ، ولم يوصف بذلك عبد الله، وكلاهما ثقتان من رجال مسلم. وهكذا رواه محمد بن مسلم الطائفي عن عمروإلا أنه قال:«قال عمرو: في الحقوق» فقوله: «قضى باليمين مع الشاهد» . لا يمكن ولوعلى بعد بعيد على أجراء تأويلهم المذكور فيه، ورواية عن ابن عباس - وهو عمرو بن دينار ثقة جليل فقيه - أقره على المعنى الذي نقول به ولهذا خصة في الأموال، والقضاء باليمين حيث لا شهود فد يكون في غير الأموال، وكذلك القضاء بالشاهدين.
وهكذا جاء لفظ هذا الحديث «قضى باليمين مع الشاهد» في حديث أبي هريرة وحديث جابر وغيرهما. وفي بعض الشواهد والمراسيل والمقاطيع التصريح الواضح.