ومن التأويلات في قول بعضهم في لفظ «قضى باليمين مع الشاهد» أن المعنى قضى بيمين المدعى عليه مع وجود شاهد واحد للمدعي، ورود بأوجه: منها أنه خلاف الظاهر، فإن الظاهر أن المعية بين اليمين والشاهد وأنه قضى بينهما معاً، ومنها أن الرواية الأولى ترد هذا التأويل، ومنها أن روية عن ابن عباس وهو ثقة جليل فقيه أقره على ظاهره كما سلف، ومنها ما ورد في بعض الشواهد والمراسيل والمقاطيع من التصريح الواضح.
وفي (الفتح) عن ابن العربي أن بعضهم حمله على صورة خاصة، وهي أن رجلاً اشترى من آخر عبداً مثلاً فأدعى المشتري أن به عيباً، وأقام شاهداً واحداً، فقال البائع: بعته بالبراءة، فيحلف المشتري أنه ما اشترى بالبراءة، ويرد العبد.
أقول: حاصل هذا التأويل أن البائع أنكر أولاً العيب، فأقام المدعي وهو المشتري شاهداً واحداً، فأعترف المدعي عليه وهو البائع، ولكنه أدعى دعوى أخرى وهي أنه باع بالبراءة فأنكر المشتري، ولم يكن للبائع بينة فيحلف المشتري. وأنت خبير أن هذه قضيتان قضي في الأولى بالاعتراف، وفي الثاني باليمين وذهب الشاهد لغواً فكيف يعبر الصحابة عن هذا بلفظ «قضى باليمين مع الشاهد» و «قضى بيمين وشاهد» ؟ فإن كلاً من هاتين العبارتين تعطي أن القضاء وقع باليمين والشاهد معاً.
فإن قيل: قد يقال: لم يعترف البائع بل قال لا عيب، فإن كان فلا يلزمني لأنني بعت بالبراءة.
قلت: فعلى هذا أن حلف المشتري على وجود العيب وعدم البراءة فقد قضى له في القضية الثانية بيمينه فقط وفي الأولى بشاهده ويمينه وهو الذي تفرون منه. وإن حلف على عدم البراءة فقط ومع ذلك قضى له برد العبد فقد قضى له في الثانية بيمينه فقط، وفي الثاني بشاهد واحد بلا يمين، وهو أشد مما تفرون منه. على أن الذي ينبغي في هذه الصورة أن لا يقبل قول البائع «لا عيب ... » بل يقال له: أما أن تعترف بوجود العيب، وإما أن تصر على إنكارك، فإن أعترف فقد تقدم، وإن أصر على إنكاره، قيل للمشتري ألك شاهد آخر؟ فإن قال: لا، فعلى قولكم يقال للبائع: احلف، فإن حلف قضي له يمينه وذهب الشاهد لغوا، ولم يحتج إلى دعوى