كتب البخاري غير الصحيح أحاديث غير صحيحة، وكثير منها يحكم هو نفسه بعدم صحتها؟ قلت: أما ما نبه على عدم صحته فالخطب فيه سهل وذلك بأن يحمل كونه لا يروي ما لا يصح على الرواية بقصد التحديث أو الاحتجاج فلا يشمل ذلك ما يذكره ليبين عدم صحته، ويبقى النظر فيما عدا ذلك، وقد يقال أنه إذا رأى أن الراوي لا يعرف صحيح حديثه من سقيمه تركه البتة ليعرف الناس ضعفه مطلقاً، وإذ رأى أنه يمكن معرفة صحيح حديثه من سقيمه في باب دون باب ترك الرواية عنه في الباب الذي لا يعرف فيه كما في يحيى بن بكير، وأما غير ذلك فأنه يروي ما عرف صحته وما قاربه أو أشبهه مبيناً الواقع بالقول أو الحال. والله أعلم.
والمقصود هنا أن رواية البخاري عن الفرياناني تدل أنه كان عنده صدوقاً في الأصل، وقد لقيه البخاري فهو أعرف به ممن بعده وقد تأيد ذلك بأن الرجل كان مشهور في تلك الجهة بالخير والصلاح كما مر وأن أحمد بن سيار على جلالته لما سئل عنه قال «لا سبيل إليه» كأنه يريد أنه لا ينبغي الكلام فيه بمدح لضعفه في الرواية ولا قدح لصلاحه في نفسه على أن أكثر الذين تكلموا فيه لم يرموه بتعمد الكذب، فأما أبو نعيم فمتأخر وقد تتبعنا كلام من تقدمه فلم نجد فيه ما تحصل به النسبة إلى الوضع فكيف الشهرة؟
هذا والحكاية التي ذكرها الخطيب عن أحمد بن عبد الله ليست من طريق البخاري وإنما هي من طريق الأبار، والأبار ناقل لا ناقد، ولكن الأستاذ لم يقنع بتوهين تلك الحكاية بل قال «ومن يعول على الوضاع لا يكون إلا من طراز الأبار المأجور» ولا يبعد أن يكون أراد التعريض بالبخاري، وما أو هن رأياً يضطر الجدل التحرير في الدفاع عنه إلى الطعن في مثل البخاري!!
فأما الأبار فهو أحمد بن علي بن مسلم حافظ تأتي ترجمته، وقول الأستاذ «المأجور» كلمة فاجرة مبنية على خيال كاذب، وسوء ظن صدقه الأستاذ على عادته، حاصل ذلك الخيال أن الأستاذ زعم أن الحافظ الفاضل دعلج بن أحمد السجزي - وسيأتي ترجمته - كان يصل الأبار بالمال الوافر فكان الأبار يجمع