ونحوه في (صحيح مسلم) و (مسند أحمد) ج ٥ ص ٢١١ من طريق أبي معاوية ووكيع عن الأعمش - إلى غير ذلك فلا ندري ما هو اللفظ الذي نطق به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن أجل من روى الحديث عن أبي منصور والأعمش وأجل من رواه عنهما سفيان الثوري وهو إمام الاتقان والفقه، وروايته هي الأشبه بآداب القضاء أن يبدأ فيسأل المدعي أله بينة؟ فإن لم يكن له بينة وجه اليمين على المدعى عليه. والبينة كل ما بين الحق، فتصدق على البينة التامة وهي ما لا يحتاج معها الى يمين، وبالبينة الناقصة وهي ما يحتاج معها الى يمين. على انه لوثبت ان لفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«شاهداك أو يمينه» فدلالة هذا على نفي القضاء بشاهد ويمين ليست بالقوة، ودلالة أحاديث القضاء بالشاهد واليمين واضحة.
فإن قيل يقوي هذه أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
قلت: فإن ظاهرها يقتضي أن لا تقبل شهادة رجل وامرأتين.
فإن قيل: يجوز أن يكون الأشعث قد علم قبول رجل وامرأتين.
قلت: ويجوز أن يكون قد علم قبول شاهد ويمين. والحق أنه يجوز ان لا يكون قد علم ذا ولا ذاك، وليس هناك محذور، لأن من شأن المدعي أن يكون حريصاً على إظهار مل ما يؤمل أن ينفعه، فلو كان له شاهد وامرأتان أو شاهد فقط أو امرأة واحدة وقيل له:«شاهداك أو يمينه» لقال لا أجد شاهدين ولكني أجد كذا، وقد نازع في تحليف المدعى عليه كما في بقية القصة فإن فيها «قلت يا رسول الله ما لي بيمينه؟ وإن تجعلها تذهب بئري إن خصمي امرؤ فاجر» أفتراه ينازع في هذا ويأخذ بما يشعر به قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن كان ما قاله «شاهداك» فلا يقول: لي شاهد واحد إن كان له؟
وأما الحديث الثاني فأوله يبين آخره، ويدل على أن محل قوله «اليمين على المدعى عليه» حيث لا يكن للمدعى إلا دعواه فقط، وكما أنه لا يتناول من له شاهدان لأنه لم يعط بمجرد دعواه، وإنما أعطي بدعواه مع شهادة الشاهدين فكذلك لا يتناول من له شاهد، لأنه إن أعطي فلم يعط بمجرد دعواه.